آراءأبرز العناوين

ثقافة الانهزام لدى بعض العرب

تعاني الأمة العربية منذ عقود من قيام البعض ممن يطلقون على أنفسهم محللين سياسيين وإعلاميين ومثقفين وخبراء إستراتيجيين وغيرهم، الذين يدورون في فلك العدو، بدفعهم وتمجيدهم لإبرام اتفاقيات وإقامة علاقات مع العدو الصهيوني، وبثهم بكل ما يملكون من قدرات، لزرع روح اليأس والإحباط لدى مئات الملايين من الشعوب العربية والإسلامية، وتقزيم أي توجه لمقاومة هذا العدو المجرم لصده عن جرائمه؛ بحجة أن الدول العربية وشعوبها ضعيفة، ولا تملك القدرة على مواجهة هذا الكيان، وبالتالي لا توجد طريقة، حسب منظورهم، لدى الدول العربية، سوى القبول بكل ما يفعله هذا الكيان المجرم في فلسطين المحتلة من قتل وتدمير وإذلال للشعب الفلسطيني وخرق للقوانين والشرائع الدولية والإنسانية، وكذلك القبول بعدوانه المتكرر على لبنان. فمنذ السابع من أكتوبر لم يتوقف هؤلاء عن توجيه كل عبارات الاتهام -التي تصل في بعض الأحيان إلى الشتائم- إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، وتحديدا حركة حماس وقادتها، بأنهم سيجرون المنطقة إلى ويلات الحرب، متغاضين عن كل ما فعله الكيان الصهيوني من قتل وتدمير وإذلال للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية على مدى عقود من الزمن، بطريقة، لا يمكن لأي شعب في العالم لديه كرامة أن يقبلها من غاصب محتل، واصفين في الوقت ذاته حركة حماس بأنها حركة إرهابية، ولا تحرص على الأمن القومي الفلسطيني والعربي، متجاهلين، أن حركة حماس التي تأسست في ١٥ ديسمبر من العام ١٩٨٧م -كنتيجة حتمية لأفعال المحتل الصهيوني الإجرامية- تعد حركة مقاومة فلسطينية ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، وأنها شاركت في الانتخابات التشريعية التي جرت في شهر يناير من العام ٢٠٠٦م، واكتسحت الانتخابات بحصولها على ٧٦ مقعدا من أصل كل مقاعد المجلس التشريعي البالغة ١٣٢ مقعدا، في انتخابات بلغت نسبة المشاركة فيها ٧٧٪ من إجمالي من يحق لهم التصويت في الأراضي الفلسطينية، وتجاوزت بمسافة حركة فتح، التي حصلت على ٤٣ مقعدا فقط. وأن القائد الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي اغتالته يد الغدر الصهيونية في ٣١ من يوليو الماضي في طهران، كان رئيس وزراء أول حكومة فلسطينية منتخبة في العام ٢٠٠٦م -كأحد استحقاقات اتفاق أوسلو الذي وقعه الرئيس الشهيد ياسر عرفات في واشنطن في ١٣ سبتمبر ١٩٩٣م. ونفس هذا الاتهام وجهه هؤلاء لحزب الله وقادته، وعلى رأسهم الشهيد حسن نصر الله، أمين عام الحزب، الذي اغتالته ورفاقه آلة الحرب الصهيونية الغادرة، في بيروت بتاريخ ٢٧ سبتمبر الحالي. حزب الله كما هو معروف، هو حزب إسلامي شيعي مسلح تأسس في العام ١٩٨٢م بعد الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلالها جنوب لبنان، وإنشائها ما يسمى «جيش لبنان الجنوبي»، إذن، الهدف من إنشائه هو مقاومة الاحتلال الصهيوني، وهو يعد أحد المكونات الرئيسية للمجتمع اللبناني، وقد تولى رئاسته حسن نصر الله في العام ١٩٩٢م بعد اغتيال إسرائيل لأمين عام الحزب السابق عباس الموسوي وأسرته،

بإطلاق صواريخ حرارية حارقة على سيارته. وفي أغسطس من العام ٢٠٠٨م وافقت الحكومة اللبنانية بالإجماع على مشروع بيان سياسي، اعترف بوجود حزب الله كمنظمة مسلحة، ويضمن حقه في «تحرير الأراضي المحتلة أو استردادها»، إضافة إلى مشاركته الدائمة في الانتخابات التشريعية والحكومات اللبنانية المتعاقبة. إذن، هو حزب سياسي عسكري شرعي وليس مكونا إرهابيا كما يدعي هؤلاء العرب، المقزّمون لكل فكر يؤمن بضرورة مقاومة المحتل. وعندما تمكنت هذه الروح الانهزامية من العرب والمسلمين في مراحل معينة من تاريخ هذه الأمة، أوردتها موارد الضعف المهين. فمثلًا، عندما قام التتار باجتياح العالم الإسلامي ودخول بغداد في العام ١٢٥٨م وقتلهم للخليفة العباسي المستعصم بالله، كان الجندي من التتار يسير في الشارع بلا سلاح، فيقابل الرجل المسلم، فيقول له: أبقى مكانك ولا تتحرك حتى آتي بسيفٍ وأقتلك، فيبقى المسلم كما هو حتى يقتله التتري. وفي تاريخنا المعاصر، أشاع البعض، أن الجيش الصهيوني جيش لا يقهر وحاول إضفاء هالة كبرى على هذا الجيش وعلى الكيان الصهيوني، وسقطت هذه التعبئة السلبية، عندما حطم الجيش المصري العظيم والجيوش العربية التي شاركت معه تلك الخرافة، في حرب السادس من أكتوبر من العام ١٩٧٣م، العاشر من رمضان ١٣٩٣هـ، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن. ختامًا، لا يمكن القبول بأن يقوم هؤلاء بإهانة وتقزيم رجال المقاومة الأبطال، في كل من فلسطين ولبنان، ووصفهم بعبارات ظالمة، وهم الذين ضحوا بكل ما يملكون في هذه الدنيا، وعلى رأسها أرواحهم، من أجل كرامة أوطانهم وشعوبهم، وكأن من يقاومونه، هو حمل وديع مغلوب على أمره، وليس كيانا مجرما تجاوز كل ما هو معروف في تاريخ البشرية من جرائم ومجازر وغدر، بشهادة شعوب العالم أجمع، بدياناتها وأعراقها المختلفة، وكما قال الزعيم الخالد جمال عبدالناصر: «اللهم أعطنا القوة لندرك أن الخائفين لا يصنعون الحرية والضعفاء لا يخلقون الكرامة والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء».

خالد بن عمر المرهون – متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.
جريدة عمان

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى