حقائب وتلاعب
أتمنى كثيراً أن لا يدخل عليّ شخص أو ألقاه مصادفة، وهو يحمل شنطة معلقة أو حقيبة في اليد، لأنه غصباً عني تتداعى ضحكاتي من الداخل، ولا أستطيع أن أتماسك أو أكف عن الابتسام، حتى يعتقد أنها ابتسامات الترحيب وفرح اللقاء، لكنها في حقيقة الأمر هي أفكار ذلك الشقي القصصي الذي يسكن الكثير منا، والذي لا يبرح يرمي بأفكاره الصائبة حيناً والشريرة أحياناً أخرى، نحو تلك الشنطة التي دخلت للتو أو رأيتها مع صاحبها مصادفة، ما هي إلا دليل التلاعب أو عدم الاستقامة، قد يكون هذا الكلام مرفوضاً وفيه بعض الشطط والمغالاة، إلا أن منظرها وهي داخلة تضحك من الباب تسبق صاحبها، ومنظر الرجل الذي يتبعها، والذي يوحي للآخرين أنه واثق من نفسه كثيراً، لا يدل إلا على عدة نصب موقوتة، ونصاب غير متمرس أو يحاول جهده أن لا تخيب جولاته خاصة الأولى منها.وقد حاولت كثيراً أن لا يضحكني منظر الشنطة في اليد، لكنني ما قدرت، حتى الآن وأنا أكتب هذا العمود لا أكف عن الضحك، لأنني أتذكر كم شنطة دخلت عليّ، وحرّكت أمعائي ضحكاً وتندراً. الغريب أن الشنطة تنعكس على البدلة، وتنعكس على وجه صاحبها، فإذا ما رأيتها من البلاستيك المقوى وفيها لمعة سوداء اصطناعية، ومعلق على مقبضها بطاقات غير متضحة المعالم، فأعرف أن بدلة صاحبها مشتراة من محلات في الأسواق الشعبية، من تلك البدلات التي تكتب ماركتها بحروف لاتينية غير متقنة، وأن صاحبها حليق الوجه بدقة معتنى بها، يغمر خدوده ماء التواليت و«لوشن» ما بعد الحلاقة، ويبالغ فيه.وإن كانت الشنطة جلدية، رخيصة، وغير مدبوغة كما ينبغي للجلد أن يدبغ،
فأعرف أنها من تلك التي يأخذها المسافرون عادة على عجل، ولا يدققون فيها كثيراً، ولا يريدون أن يدفعوا مقابلها كثيراً، وأن صاحبها عادة ما يرتب نفسه في آخر لحظة، وقبل المقابلة، وكثيراً ما يستند على حجج وأعذار واهية وفي متناول اليد، مثل: ما عندي وقت، المشاغل كثيرة، الحياة تحب أن يكون الإنسان معها «سبور».شنطة المدرس فيها شقاء ويتم مبكر، وعذابات القرية التي لا تنتهي، وشظف العيش والكدح، وإخلاص لا يتكرر.بينما شنطة المحامي، تشبه جراب الحاوي، أوراق أصلية ومختومة، وأخرى غير رسمية، وأشياء لا تفيد أحداً، وأشياء قد تنقلب ضدك، تشعرك دوماً أنها تحمل في جنباتها الثلاث ورقات، فيها نزق ولعب وتلاعب، تشعرك أنها لا يمكن أن تضحك عليها بسهولة.شنطة الطبيب لا توحي بالخير دائماً، رغم أنها في الغالب توحي لك بالطيبة والإنسانية وأن الأشياء التي فيها لا تضر أحداً.شنطة رجل التأمين، تشعر من لينها أنها يمكن أن تفلت من يديك، وأنها مصنوعة من جلد رقبة البقرة، لأنها لا تكف عن الخوار، وتحريك جرس الأخطار.شنطة رجل الأعمال فيها قسوة غير ضرورية، تشبه امرأة ممتلئة بأسنان ذهبية متفرقة، تشعر أن في داخلها يتربى طفل ما زال يرضع النصب حتى لا يريد الفطام أبداً.شنطة السمسار، تشعر أن لها أسناناً كالمنشار، وأنها ستجرحك في أي لحظة من دون سبب، تشبه القربة أو الهبّان المليء بالكذب والهواء، وأغلظ الأيمان، لكن له صوت رنّان.شنطة الجيل الرقمي الجديد والتي تشبه «العاروك» أو هي قريبة من شنطة محصل الفواتير، توحي لك أنها تخص تلميذاً بليداً، يكره الدراسة، ويحب الأكل كثيراً، ويستمتع بالنوم كثيراً، ويتمنى أن تكون المدرسة كل يوم معطلة لسبب ما.
ناصر الظاهري – صحيفة الاتحاد