رائدات الأعمال السعوديات: نجاح عالمي يُكتب بالصبر والإصرار
قصص النجاح التي أبدعتها رائدات الأعمال السعوديات تعكس ما يمكن تحقيقه من خلال الصبر والإصرار. كل واحدة منهن خاضت تجربة فريدة، مليئة بالتحديات والإنجازات. شهد الشهيل، من خلال علامتها «أباديا»، نجحت في المزج بين التراث السعودي والتصميم العصري، لتحقق حضورًا عالميًا في مجال الأزياء المستدامة. في حين استخدمت لطيفة الوعلان شغفها بالتكنولوجيا لتطلق مشروع «يتوق»، الذي أعاد تعريف تجربة القهوة العربية.أما ياسمين الشثري فقد حولت شغفها بالساعات والمجوهرات إلى منصة CLE، التي تجمع بين التراث والفخامة، لتصبح وجهة رائدة لعشاق هذه المنتجات. ومن جانبها، وجدت آلاء الزواوي شغفها في الطهي بعد تجربة مميزة قادتها إلى تأسيس مطعم «مومو»، الذي تميز في تقديم المعجنات الآسيوية.
هذه القصص تؤكد أن النجاح ليس مقتصرًا على مجال معين، بل هو نتاج الشغف والعمل الجاد، حيث استطاعت كل واحدة من هؤلاء الرائدات تحويل أحلامها إلى واقع ملموس على الساحة المحلية والعالمية.
بصمة عالمية
تعد المصممة السعودية شهد الشهيل واحدة من أبرز الأسماء الشابة في عالم الأزياء، حيث نجحت عبر علامتها التجارية «أباديا» في بناء هوية مميزة تعكس التراث السعودي بلمسات معاصرة. من خلال كونها المؤسس والمدير الإبداعي للعلامة، استطاعت الشهيل أن تحقق نقلة نوعية في مجال الأزياء على الصعيدين المحلي والعالمي، وبرزت بتصاميمها المستوحاة من الإرث الثقافي السعودي التي تزاوج بين الحرفية التقليدية والأسلوب العصري.
علامة «أباديا» لم تكتف بتحقيق نجاحات محلية، بل وضعت بصمتها عالمياً، حيث أصبحت أول علامة تجارية سعودية تُعرض على موقع التجزئة الفاخرة العالمي «Net-a-Porter». هذا الإنجاز يعزز مكانة العلامة ويؤكد على رؤيتها التي تجمع بين الحرفية العالية والسرد الثقافي الفريد.
شهد الشهيل أعربت عن فخرها الكبير بهذا الإنجاز قائلة: «كان التراث والقصص الثقافية دائمًا في قلب أباديا، وهدفنا من البداية كان إيصال هذا التراث إلى العالم من خلال تصاميمنا». وأضافت: «نحن نعيش عاماً تحويلياً للعلامة، حيث نختتمه بشراكات استراتيجية عالمية، مما يعزز رؤيتنا لرفع معايير الأزياء المستدامة والحفاظ على التراث».
وتستمر «أباديا» في تعزيز مكانتها من خلال تعاونها مع الحرفيات السعوديات في إبراز تفاصيل التصاميم المستمدة من الفنون اليدوية، حيث تُعنى العلامة بتقديم منتجات تعتمد بنسبة كبيرة على الأقمشة المستدامة، مما يعكس التزام الشهيل بتقديم بدائل للموضة السريعة.
هذا النجاح العالمي جاء تتويجاً لمشاركة «أباديا» في الفعاليات الدولية الكبرى، حيث كانت جزءاً من الشراكات الاستثمارية التي أطلقتها هيئة الأزياء السعودية، والتي شهدت توقيع اتفاقيات مع مستثمرين عالميين، لتعزيز حضور العلامات التجارية السعودية في الأسواق العالمية ودعم الشركات الناشئة والمتوسطة في القطاع.
عشق للابتكار
لطيفة الوعلان هي رائدة أعمال بارزة ومهندسة معلوماتية سعودية، ولدت ونشأت في المملكة. أسست شركتها الأولى في سن السادسة عشرة، مما يعكس روح المبادرة التي تتحلى بها.حصلت لطيفة على شهادة البكالوريوس في علوم الحاسوب من جامعة الملك سعود في عام 2006. بعد ذلك، أكملت دراستها العليا للحصول على ماجستير في إدارة التكنولوجيا وإدارة الأعمال، إضافة إلى ماجستير في إدارة المعلوماتية من كلية فوستر للأعمال في جامعة واشنطن عام 2011. خلال فترة دراستها، استثمرت في تعلم فنون تحميص البن وتذوق القهوة. في نوفمبر 2013، تم تكريمها بلقب «قائد ملهم للوطن» من قبل مجلة فوربس الشرق الأوسط.
بدأت لطيفة مسيرتها العملية في عام 2006 كمبرمجة لدى شركة آي لينك، ثم انتقلت إلى بنك الرياض لتتولى إدارة نظم المعلومات بين 2007 و2009. بعد ذلك، انضمت إلى «عذيب» للاتصالات كمحللة نظم معلومات إدارية، وتمكنت من قيادة مجموعة صيدليات «الوعلان» من 2011 إلى 2013، قبل أن تتولى منصب المدير العام لشركة إنديفور السعودية منذ عام 2018. كانت لطيفة من المؤسسين لشبكة «صلة»، وهي شبكة غير ربحية تهدف إلى تمكين المرأة السعودية. كما قادت فريق تطوير تطبيق «Magadhena»، الذي حصل على المرتبة الأولى في معرض Start-up Weekend في الرياض عام 2011.
عشقتها للابتكار أدت بها إلى اختراع أول دلة أوتوماتيكية للقهوة العربية في عام 2013، حيث حصلت على براءة اختراع لهذا الابتكار، واحتفظت بلقب «قائد ملهم للوطن» من فوربس.
تحمل لطيفة شغفاً خاصاً بالقهوة، وهو ما دفعها لاستخدام التكنولوجيا لتعزيز تجربة تناول القهوة العربية، مما أسفر عن تأسيس مشروع «يتوق». كما تلعب دوراً مهماً في شبكة «صلة» لتعزيز دور المرأة في المجتمع السعودي.
عائلتي مصدر الهامي
قررت ياسمين الشثري أن تأخذ إعجابها الشخصي بالساعات والمجوهرات إلى مستوى مختلف تمامًا، حيث حولت هذا الشغف الذي توارثته عن عائلتها إلى مشروع ريادي ناجح. أطلقت منصة CLE، أول منصة سعودية متخصصة في الساعات والمجوهرات الفاخرة، لتستقطب عشاق هذه المنتجات وتقدم لهم تجربة تسوق فريدة.
تحدثت ياسمين عن بدايات شغفها بالساعات والمجوهرات، حيث تعود ذكرياتها إلى طفولتها، إذ كانت عائلتها تحرص على شراء الساعات الفاخرة بانتظام. في إحدى المرات خلال حصة مدرسية، لفتت انتباهها ساعة زميلة كانت من طراز Audemars Piguet، والتي بقيت محفورة في ذاكرتها، ما دفعها للاستفسار عنها من والدها الذي فاجأها بامتلاكه نموذجًا آخر من نفس العلامة. ومن هنا بدأت قصة حبها للساعات والتي تطورت مع مرور الوقت إلى رغبة ملحة لفهم هذا العالم بعمق.
مع مرور السنين، وسفرها إلى لندن لإكمال دراستها، تعمقت ياسمين في دراسة عالم العلامات التجارية الفاخرة، وازداد اهتمامها بالصناعة والحرفية المرتبطة بهذا القطاع. وأثناء دراستها، اكتسبت خبرة كبيرة من تواجدها في أسواق عالمية مثل لندن، الأمر الذي مكنها من تأسيس منصة CLE عام 2012، لتكون وجهة لمحبي الساعات والمجوهرات الفاخرة في السعودية، وتوفر لهم إمكانية الحصول على قطع نادرة بطرق سهلة ومضمونة.منذ انطلاق CLE، سعت ياسمين إلى تقديم مفهوم جديد في عالم الفخامة، بعيدًا عن مجرد تتبع الترندات، بل ركزت على تقديم منتجات ذات قيمة تراثية وفنية لعشاق الساعات والمجوهرات الحقيقيين. وفي عام 2019، قررت توسيع نطاق CLE لتخدم شريحة أكبر من العملاء، مع تطوير نموذج عملها لتتحول من متجر تقليدي إلى منصة رقمية مبتكرة تهدف إلى تقديم تجربة متكاملة.
نجاح CLE تجلى في جذبها لعدد من العلامات التجارية العالمية التي اختارت المنصة كممثل لها في السوق السعودي، بالإضافة إلى بناء قاعدة عملاء موثوقة ومميزة. واليوم، ومع افتتاح متجر CLE في مشروع VIA Riyadh الفاخر، تأمل ياسمين في توسيع نطاق المنصة بشكل أكبر وتقديم تجربة تسوق غير مسبوقة لعشاق الساعات والمجوهرات الفاخرة.
تعتبر ياسمين أن عائلتها كانت مصدر إلهامها الأساسي، وخاصة والدتها التي كانت لها مسيرة طويلة كريادة أعمال ومصممة. فالعائلة التي اهتمت بالفنون والتصميم والأزياء منذ التسعينيات، شكلت البيئة المثالية التي نمت فيها ياسمين حبها للتراث والفخامة، ودفعها إلى تحقيق أحلامها في مجال الساعات والمجوهرات.
تخطط ياسمين في المستقبل لمواصلة تطوير CLE وجعلها أكثر تميزًا وتفردًا، مع التركيز على تقديم محتوى تعليمي وتوعوي لعملاء المنصة، بالإضافة إلى تقديم منتجات فاخرة مصممة خصيصًا للسوق السعودي. توجيهها لكل من يحمل شغفًا معينًا هو البدء بخطوة صغيرة والمثابرة، فكل صناعة مليئة بالتحديات، ولكن النجاح يأتي مع الوقت والاجتهاد.
الفشل خطوة للنجاح
في خضم حياة بدت «مرصعة بالذهب»، شعرت آلاء الزواوي بشيء ينقصها رغم الاستقرار والراحة التي كانت تعيشها أثناء دراستها للحصول على الدكتوراه في أيرلندا. وجدت نفسها تتوق إلى شيء أعمق وأكثر مغزى. وفي رحلة للبحث عن الذات، سافرت إلى النيبال حيث اكتشفت بالصدفة متعة بسيطة في تذوق معجنات الزلابية الآسيوية المعروفة باسم «مومو». كانت تلك اللحظة بمثابة شرارة أشعلت فيها الرغبة في تغيير حياتها بالكامل.
على الرغم من افتقارها إلى أي خبرة في مجال صناعة الطعام، بدأت آلاء التفكير في إنشاء مطعم متخصص في تقديم هذه المعجنات الشهية. كانت فكرة تأسيس مطعم «مومو» مليئة بالتحديات والشكوك، وكان الخوف من الفشل حاضراً. لكنها لم تستطع تحمل فكرة البقاء عالقة في حياة بلا إنجاز. بدلاً من ذلك، قررت مواجهة الخوف وتجاوز القيود المجتمعية التي وُضعت لها.
بدأت رحلتها في عالم ريادة الأعمال بشجاعة كبيرة، متسلحة بإرادة راسخة لتغيير الأمور وزعزعة التوقعات. وبالفعل، لم يكن «مومو» مجرد مطعم، بل رمزاً للتمكين والصمود. استطاعت آلاء أن تحوّل حلمها إلى واقع ملموس، حيث أصبح «مومو» يحتل مكانته بين أفضل مطاعم الزلابية الآسيوية في المملكة.
بالنسبة لآلاء، لم يكن النجاح مجرد تحقيق الهدف، بل في الجرأة على المخاطرة واحتضان الفشل كجزء من الرحلة. اليوم، تجسد قصتها قوة الإرادة والإمكانات غير المحدودة لريادة الأعمال النسائية في مجتمع يشهد تغييرات جذرية. من خلال تجربتها، تثبت آلاء أن الخوف من الفشل لا يجب أن يوقف أي امرأة عن متابعة شغفها.
تدعو آلاء النساء في جميع أنحاء المنطقة العربية إلى السعي وراء أحلامهن بشجاعة، مؤكدة أن الفشل مجرد خطوة نحو النجاح. بالنسبة لها، المستقبل مليء بالفرص، والنساء قادرات على كسر الحواجز وصناعة مستقبل لا تحده القيود، بل ترسمه الإمكانات اللامحدودة.
جريدة الرياض