آراء

الأغنياء أغنياء والفقراء فقراء.. ولن يلتقوا!

أهم ما يميز الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إضافة إلى مواقفه ضد العدوان الإسرائيلى الهمجى وانتصاره لقضايا البيئة والأقليات والتغير المناخى، أنه سياسى حالم وربما مثالى فى عالم شديد الواقعية. جوتيريش حاول، خلال الاجتماعات السنوية للمنظمة الدولية الأيام الماضية، الترويج لعملية إصلاح جذرية للمؤسسات الدولية تضمن أن يكون للفقراء صوت، وأن يشاركوا فى العضوية الدائمة لمجلس الأمن وتعديل النظام المالى العالمى وتضييق الفجوة بين الناس «اللى فوق» و«اللى تحت».

ويبدو أن جوتيريش لا يؤمن بأن مقولة ستالين «كم دبابة يمتلك البابا؟»، عندما أبلغه تشرشل أثناء مؤتمر يالطا لتقسيم العالم عام ١٩٤٥، أن بابا الفاتيكان أعلن الحرب على هتلر- ما زالت سارية. السياسة اليوم تقاس فقط بالقوة المادية.

الأقوياء الأغنياء يمكنهم على الورق منح الفقراء صوتًا أعلى قليلًا، لكن الواقع يُصر على تطبيق معاييره. وزنك السياسى أساسه قدراتك المادية والاقتصادية. فى عام ٢٠١٥، تعهد زعماء العالم، خلال قمة التنمية المستدامة بأنه: «لن تتخلف دولة عن طريق التنمية بحلول ٢٠٣٠». بالطبع لم يتحقق الوعد، ولا أمل بتحقيقه ٢٠٣٠، ولا بعدها، طالما استمر العالم يلعب بنفس القواعد الحالية. المفاجأة أن العكس حدث.

الفقراء ازدادوا فقرًا على مستوى الدول والأفراد. الخط الفاصل بين الأغنياء والفقراء زادت سماكته. عشرات الدول خرجت من فئة الدخل المتوسط الأدنى لتدخل فئة الدخل المنخفض. هناك ٧٠٠ مليون شخص فى فقر مُدقع و٣ مليارات فقراء. نصف أفقر بلدان العالم البالغ عددها ٧٥ دولة، أصبحت أكثر فقرًا.

قبل أيام، نشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية تقريرًا ذكر أنه منذ الثورة الصناعية نهايات القرن ١٨، ظل الفارق شاسعًا بين الدول الغنية والفقيرة، لكن الفترة من ١٩٩٥ و٢٠١٥، كانت استثناء، ضاقت خلالها الفجوات فى الناتج المحلى والفقر وتحسنت مستويات الصحة العامة والتعليم بالدول الفقيرة. أرجعت الإيكونوميست، صوت الرأسمالية والليبرالية، ذلك إلى العولمة التى سادت وازدهرت.

تلك الطفرات أصبحت الآن ذكرى. عاد التدهور فى الصحة ووصل الذروة مع تفشى «كورونا» وارتفعت معدلات الفقر. التنمية تعطلت فى عشرات الدول. الديون طاولت الجبال، وأصبح مستحيلًا إعادة هيكلتها. الأخطر أن الإصلاحات التى بدأتها الدول النامية انتهت تقريبًا. التدخل الحكومى والإجراءات الحمائية والقيود التجارية تلقى رواجًا. الأغنياء، من جانبهم، امتنعوا عن تقديم مساعدات للفقراء أو خفضوها. جرى إلغاء وزارات التنمية الدولية أو دمجها بوزارات الخارجية، كما فى بريطانيا خلال عهد المحافظين.

المنتدى الاقتصادى العالمى أكد قبل شهور أن الفجوة بين الشمال والجنوب تتسع ولا تضيق. إيهان كوسى، نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولى، قال: «للمرة الأولى منذ ٢٥ عامًا، لم يعد هناك تقارب بين الأغنياء الذين يزدادون ثراء، والفقراء الذين يتضاعف فقرهم. الدول الفقيرة تخاطر بخسارة ١٠ سنوات من التنمية». فى المقابل، يذكر تقرير التنمية البشرية الدولى ٢٠٢٤، وعنوانه: «كسر الجمود»، أن البلدان الغنية تشهد مستويات غير مسبوقة من التنمية البشرية. لماذا يتخلف الفقراء؟ لأنهم فقراء. يرد جيفرى ساكس، الاقتصادى الأمريكى البارز: لكن هناك أيضًا الافتقار للحكم الرشيد وعدم الاستقرار وتخبط السياسات. ويضيف: «إذا تُرك الفقراء بمفردهم، فإن انعتاقهم من الفقر ضئيل أو معدوم».

هل مكتوب أن يظل الفقراء فقراء، والأغنياء أغنياء؟، كما صور الشاعر البريطانى روديارد كيبلنج الأمر فى قصيدته المنشورة ١٨٩٩، والتى يقول مطلعها: «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا أبدًا».

ربما ليس بهذا الشكل التمييزى العنصرى. ومع ذلك، فإن الفقراء يتحملون مسؤولية النهوض بأنفسهم، وبدلًا من إضاعة الوقت فيما لا طائل منه لإصلاح مجلس الأمن المؤجل بقرار من الأقوياء حتى إشعار آخر، لماذا لا يتم التركيز على الجانب التنموى والضغط على الأغنياء لاستئناف المساعدات الاقتصادية وتخفيف حدة الديون؟!. لماذا لا يتم استئناف الإصلاحات الداخلية السياسية والاقتصادية، حتى لا يضيع العقد الحالى، كما ضاعت السنوات العشر السابقة؟!.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى