آراء

آفة الناس ومخالطة الصالحين

إن من أعظم الأسباب التي يقسو بها القلب ويفسد، ويشوش بها الذهن وينشغل كثرة الخلطة مع الناس، إلا خلطة الصالحين، اما خلطة بعض الناس من غير الصالحين، فتعني الوقوع في أشياء من المحظورات والأخطاء، وربما حمل بعضها أوجها من السعي وراء الخراب والفتنة والغيبة والنميمة.

كما ان خلطة المنافقين غير الصالحين فيها فساد للطبع واكتساب للأخلاق الرديئة، لذا جعلها ابن القيم داء، لأنها تؤثر امتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، فيوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟

ثم يعقب ابن القيم، رحمه الله، بقوله: هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة؟ وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية؟ وهل آفة الناس إلا الناس؟

وبما يخص فساد الطبع لنقف وقفات عندها حتى نستبصر خطورتها، إذ يقول ابن القيم عن ذلك الفساد: إنه قاطع حائلة بين القلب وربه، عائقة له عن سيره، ومحدثة له أمراضا وعللا إن لم يتداركها المريض خيف عليه منها.وهل كان على أبي طالب، عم النبي صلى الله عليه وسلم، عند الوفاة أضر من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة توجب له سعادة الأبد.

وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني).

وقال تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)، وقال خليله إبراهيم لقومه: (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).

وهذا شأن كل المشتركين في غرض، يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ذلك ندامة وحزنا وألما، وانقلبت تلك المودة بغضا ولعنة، وذما من بعضهم لبعض، لما انقلب ذلك الغرض حزنا وعذابا، كما يشاهد في هذه الدار من أحوال المشتركين في خزيه، إذا أخذوا وعوقبوا، فكل متساعدين على باطل، متوادين عليه لابد أن تنقلب مودتهما بغضا وعداوة، فاطمئن ايها الإنسان بأن حقك لن يضيع أبدا.يقال:

عدوك من صديقك مستفاد

فلا تستكثرن من الصحاب

فإن الداء أكثر ما تراه

يكون من الطعام أو الشراب حاول قدر المستطاع الابتعاد عن خلطة الناس فيه ما يزجر عن هذه المعايب، ويبصر بتلك المثالب، فلابد للمرء من وقت يختلي فيه بنفسه، فيحاسبها وبقلبه، فيطهره مما علق به، كما روي عن عمررضي الله عنه: «خذوا حظكم من العزلة»، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «لوددت أن بيني وبين الناس بابا من حديد، لا يكلمني أحد ولا أكلمه، حتى ألقى الله سبحانه».

فاطمة المزيعل – الأنباء الكويتية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى