مخاطر نشر المعلومات الخاطئة
مواقع التواصل الاجتماعي، كما بعض المنصات ووسائل نقل الأخبار المختلفة، مملوءة بالمعلومات غير الدقيقة، أو غير الصحيحة، أو المُضلِّلة أحياناً، ويكاد الموضوع أن يصبح في المقام الأول بين القضايا التي تصنع الفوضى والتشويش، وتُسبِّب المشكلات الوازنة، برغم أهمية انتشار الوسائل التي تنقل «الميديا» بأسرع طريقة، وبأهون حال في مجالات عديدة.
ملف صراع الأفكار، أو الحروب الإعلامية ليس جديداً، وقديماً قيل: إطلاق الدعاية العاطلة بحق شخص أو جهة كإطلاق الرصاص عليهما. والإنسان عدوّ ما يجهل، بحيث إنه يتفاعل مع ما يراه أو يسمعه، حتى ولو كان غير صحيح أحياناً، وقد ينسج عداءً أو موقفاً سلبياً تجاه موضوع معين، لأنه لا يعرف عنه أي شيء، أو أنه يعرف ما هو غير صحيح، بينما جوهر الموضوع أو حقيقته مختلفة تماماً عما وصل عنه لأذهان المعنيين.
تنوع وسائل التواصل والإعلام ساعد في نشر المعلومات والأفكار، ولكنه ساعد أيضاً على التحلّل من المُقيدات الضرورية للحفاظ على سلامة المُنتج الفكري والإعلامي والعلمي، ومن دون الحفاظ على جودة المُنتَج لا يمكن توفير جدوى مفيدة منه، لأنه سيتعرَّض للتلف أو للإفساد. والرقابة بفهمها الإيجابي حاجة لا يمكن الاستغناء عنها لتأمين سلامة الإبداع ولحماية الملكية الفكرية، ومن دون أن تكون هذه الرقابة وسيلة لتقييد حرية الرأي والإبداع على الإطلاق. وما أشار إليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، واضح في هذا السياق، بحيث أشارت المادتان 29 و30 منه إلى ضرورة التزام الأفراد بقيود القانون بمناسبة ممارستهم لحقوقهم وحرياتهم، على ألّا يتم استغلال هذا القانون لغير المقاصد النبيلة التي هدف إليها هذا الإعلان، ونصَّ عليها ميثاق الأمم المتحدة.وإذا كانت القواعد القانونية – لاسيما الدولية منها – تحفظ للإنسان حرية التعبير عن الرأي، وحق النشر والتأليف والكتابة، فإن ذلك لا يعني أن يتم توظيف هذه القواعد النبيلة المقصد لأغراض غير شريفة المقصد، وبالتالي استخدام هذه الحريات لتعميم التفاهة، ولنشر الأفكار الهدَّامة في مختلف المجالات، بما في ذلك مساعدة المجموعات الإرهابية، أو التي تبثّ السموم الثقافية المؤذية للصحة النفسية والجسدية.
من الواضح وجود صعوبات كبيرة أمام النُظم والقوانين تحول دون تمكّنها من معالجة كافة الاختلالات المطروحة، وهي كبيرة ومتشعّبة بطبيعة الحال. والعولمة الإنسانية المنشودة لم تتحقَّق إلّا على مستوى تعميم الميديا وسرعة انتشارها، برغم كل القيود التي وضعت، ومنها القيود التي فرضتها الدول الكبرى بمنعها استخدام بعض الحسابات والمنصات، خصوصاً في الولايات المتحدة والصين وروسيا. ويمكن القول، إن الميديا تمكّنت من تجاوز كل المُحددات والحدود، والرقابة الأمنية أو التجارية الهادفة من أصحاب المنصات الكبرى مثل «جوجل وإكس وتيك توك» فشلت في فرض رقابة وازنة، بل على العكس من ذلك، فإن الرقابة زادت من منسوب التنوع في استعمال المنصات من قبل جمهور المستخدِمين. الدول، وعبر أجهزتها الوطنية، مُلزمة بأخذ الملف على محمل الجد، لأن «صُناع التفاهة» تمكّنوا من التشويش على الثقافات الوطنية، وعلى الصحة النفسية والجسدية للناس، ونجحوا في تضليل شرائح واسعة، لأن بعض المواقع تنشر معلومات صحية غير صحيحة، وتغوص بالتحليلات النفسية والسياسية والأمنية بأساليب خطِرة، بعيدة جداً عن الواقع، ولا تحترم الحد الأدنى من المصداقية في أصول النشر.
حلقات النقاش التي تجري بين المتابعين لهذا الشأن تركِّز على أهمية صناعة مناعة وطنية، أو إنسانية، من خلال تنمية ثقافة حسن الاختيار، والتشجيع على اعتماد مراجع موثوقة لأخذ المعلومة، بواسطة وسائل إعلامية معروفة تتقيَّد بأصول التحقّق من صحة الخبر قبل النشر، لأن انتشار الأخبار والمعلومات المغلوطة، كما نمطية تعميم التفاهة والفضائح، أسرع بمرات عديدة من انتشار الخبر اليقين. وبينما يزداد عدد المتابعين لحسابات ومواقع تنقل الفضائح والتفاهات والصور الجميلة، يتراجع عدد المتابعين للمواقع الرصينة. يقول العالم البريطاني ستيفن هو كينغ: «وهم المعرفة أخطر من الجهل»، فهناك خطر مُحدق يواجه مستقبل الناس إذا ما استمرَّت هذه الفوضى المعلوماتية على ما هي عليه من دون قيود. فالبناء فوق الجدران الواهية سيؤدي حكماً إلى سقوط سقف الهيكل.
د. ناصر زيدان – صحيفة الخليج