آراءأبرز العناوين

خلفيات بيان بايدن حول السودان

بعد 17 شهراً من حرب بالوكالة التي تشنها مليشيا الدعم السريع على الدولة السودانية، ومقوماتها؛ البشرية، والتاريخية، والاقتصادية خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن على الناس ببيان يصف تلك الحرب بأنها «فارغة من المعنى انبثقت عنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وهذا وصف صحيح ينطبق على كثير من الحروب التي خاضتها بلاده، وما زالت تخوضها في أنحاء مختلفة من العالم. ولعل الشعور بالحرج – إن كان حقيقياً – أمر في حد ذاته قد يكون إيجابياً بالمقارنة بحالة الاصطفاف الكاملة إلى جانب مليشيا مجرمة لها تاريخ إجرامي معلوم، وبالضرورة لها حاضر أكثر قتامة، وإظلاماً. ليس جرم الولايات المتحدة كان بالصمت، ولا بغض الطرف تجاه عما يجري، ويرتكب من جرائم، وإنما كان بالدعم العسكري، والذي قد نقول انطلاقاً من حسن الظن إنه لم يكن مباشراً، ربما لأسباب تتعلق بسلوك المليشيا الذي لا يمكن التغاضي عنه ليقوم بتحمل تلك المسؤولية مقاول بالباطن يتلقى اللعنات، والإدانات نيابة عن الولايات المتحدة. لقد تم ضبط أسلحة أمريكية نوعية بيد المليشيا، وهي أسلحة لا يمكن أن تصل إلى أيدي مستخدميها دون موافقة أمريكية سياسية، وأمنية عالية المستوى.

وقد أقر الرئيس بايدن في بيان أصدره كسر به حاجز الصمت المخجل، بأن الحرب تسببت في نزوح نحو 10 ملايين شخص، وتعرضت خلالها النساء، والفتيات لعمليات الخطف والاعتداء الجنسي. وقال إن مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور ظلت ترزح تحت وطأة حصار تفرضه مليشيا الدعم السريع منذ عدة أشهر. وأن هذا الحصار تحول إلى هجوم شامل في الأيام القليلة الأخيرة. وبينما غضب بايدن من احتلال مباني الكونغرس الأمريكي من قبل أنصار خصمه دونالد ترامب في واقعة مشهورة، معتبراً ذلك تمرداً على الدولة الأمريكية، سمى المليشيا التي تمردت على الدولة السودانية بالسلاح طرفاً مقابلاً للجيش السوداني الذي من أوجب واجباته – كما هو الحال لأي جيش قومي في بقية دول العالم – دحر التمرد على الدولة لاسيما إن كان في أخطر حالاته باستخدام السلاح، واستهداف المواطنين في أرواحهم، وأعراضهم، وممتلكاتهم. وسيبقى الجيش السوداني ثابتاً في التزامه بمبادئ القانون الإنساني الدولي، وأعراف الحرب بما في ذلك حمايه المدنيين، والبنى التحتية.

ولطالما طالب بايدن المليشيا بوقف هجومها الذي يؤذي المدنيين السودانيين بشكل غير متناسب على حد وصفه، فبالضرورة تكون هناك جهة مسؤولة دستورياً تقوم بوقف هذه الاعتداءات، وهي الجيش السوداني، وإن لم تدعمه أي جهة تعلن سعيها لاستقرار، والسلام في البلاد قولاً لا فعلاً، فلتساعده بالصمت، وعدم تشجيع جرائم المليشيا بالإيحاء لها بأنها طرف موازٍ يمكن أن تستثمر سياسياً في الجرائم التي ارتكبتها بتحويلها لمكاسب سياسياً عوضاً عن محاسبتها عليها. وقد أعلن بايدن بأن: «الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب السوداني، وأنهم يضغطون من أجل السلام، ويسعون إلى محاسبة الجهات الفاعلة التي تحاول إدامة العنف”.

بيان بايدن الذي بدا مفاجئاً، أو أنه إشارة لتغيير ما، ولو تكتيكياً في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة في السودان لابد من ربطه بعدة ملاحظات: وهي أن ملف السودان في الإدارة الأمريكية قد انتقل من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، متزامناً ذلك مع توجّه سوداني نحو روسيا، وقد بدا توجها جاداً، وبالتالي نتوقع اهتماماً أكبر بما يجري في السودان، ومحاولة لاعتراض خطوات هذا التوجه. بيد أن بيان بايدن قد تجاهل حقيقة أن الحرب قد فرضت على الشعب السوداني من خلال تمرد فصيل عسكري إثني كان تابعاً للجيش وبدأ بمحاولة احتلال مطار مروي قبل يومين من بدء الهجوم الشامل على الدولة ولحقه انتشار مسلح بالعاصمة، وهجوم على قيادة الجيش، والشروع في اغتيال رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش. كذلك تجاهل بايدن أن الضربات الجوية للجيش السوداني هي ضربات محكمة، وفي إطار دحر المليشيا، وتركزت على تجمعات المليشيا العسكرية، ومخازن الأسلحة، وليس قصفاً عشوائياً للمدنيين الذين هم في حقيقة الأمر يهربون من مناطق سيطرة المليشيا إلى مناطق سيطرة الجيش وهذا سبب كافٍ لدحض اتهام الجيش بقصف المدنيين. كذلك تجاهل بايدن حقيقة أن السودان ليس رافضاً للسلام مبدأً، وإنما يصر على تنفيذ ما اتفق عليه في منبر جدة في أول 3 شهور بعد اندلاع التمرد، وهذا ما يمكن البناء عليه، وليس تجاهله.

إن هذا التطور الأمريكي قد يفتح المجال لنقاش سوداني – أمريكي على مستوى رئاسي على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ الثلاثاء القادم 24 سبتمبر الحالي. ومن المتوقع أن يناقش رئيس مجلس السيادة السوداني، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان مسار الأزمة مع الرئيس بايدن، وعدد من المسؤولين الأمريكيين بشكل مباشر. ومن المتوقع أن يكون النقاش حصرا على الجانبين السوداني، والأمريكي. ويعتبر بعض المراقبين ذلك بداية للتعاطي الإيجابي، وخطوة تمكن الجانب الأمريكي من تصحيح ما يمكن أن يكون فهماً مغلوطاً.

د. ياسر محجوب الحسين – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى