ما حقيقة حالات الإعياء الغامضة في أسوان المصرية؟ وما علاقة السودان؟
مع بدايات فصل الخريف من كل عام، تنشط الدعاية لمحافظة أسوان جنوبي مصر كمقصد سياحي دافئ خلال موسم الشتاء. لكن الأمور اختلفت هذه السنة، حيث ارتبط اسم المدينة بمرض مجهول تسبب في ازدحام المستشفيات بعشرات المصابين.
وقبل نحو أسبوعين، شهدت منصات التواصل الاجتماعي استغاثات بعض أهالي قرى أسوان بسبب كثرة الحالات التي تعاني أعراضا تشبه النزلات المعوية مثل القيء والإسهال والغثيان.
ولجأ المرضى لمستشفيات المحافظة الجنوبية التي رفعت درجة الاستعداد القصوى لتقديم الرعاية الطبية اللازمة للحالات الطارئة.
وتبلغ مساحة أسوان نحو 63 كيلومترا مربعا، ويقطنها نحو 1.6 مليون نسمة، يمثلون نحو 1.5% من سكان مصر.
الرواية الرسمية
قللت تصريحات المسؤولين الرسميين من خطورة الوضع بأسوان، ودفعت نحو الطمأنة رغم عدم الجزم بطبيعة المرض وأسبابه حتى الآن. وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الخميس الماضي، تلقي 200 مواطن بأسوان العلاج بالمستشفيات بعد إصابتهم بـ”نزلات معوية” حسب قوله، موضحا تمام شفاء الحالات المرضية عدا 43 حالة مازالت تحتاج الرعاية الطبية.
وأضاف، خلال المؤتمر الصحفي الذي يُعقد بشكل دوري، أن وزارة الصحة أرسلت فرقا طبية لأسوان للكشف عن سبب حالات الإعياء. وقال “هذه الحالات عادة ما تظهر فترات الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة بالمدن الجنوبية” وأكد استمرار العمل للتوصل إلى الأسباب.
وبعد يومين، قال وزير الصحة خالد عبد الغفار -في لقاء صحفي- إن أجهزة الطب الوقائي رصدت حالات الإصابة منذ 11 سبتمبر/أيلول الجاري، موضحا أن غالبيتها ترد من منطقتي “أبو الريش” و”دراو”. وأكد شفاء 22 حالة من إجمالي 128 لجأت للمستشفيات، لافتا إلى “وجود بعض الحالات بقسم الرعاية المركزة”. وأرجع سبب الإصابات إلى “تلوث الطعام أو الشراب” مضيفا أن الوضع الصحي بشكل عام “مُطمئن” وتوقع انتهاء الأزمة خلال أيام.
بدوره، أشار محافظ أسوان إسماعيل كمال إلى أن توقيت الشكوى من الإعياء تزامن مع احتفالات المولد النبوي الشريف والتي “يصاحبها تناول كثير من الحلوى والمشروبات”. وتنفي الجهات الرسمية وقوع وفيات، غير أن رواد المنصات الاجتماعية تداولوا أخبارا عن حدوثها.
ونشر موقع “مدى مصر” وثيقة وفاة أحد أهالي أسوان يثبت بها أن السبب هو “توقف تام في الدورة الدموية والتنفسية والقلبية” ناتجة عن “نزلة معوية شديدة أودت إلى جفاف وارتفاع بوظائف الكلى وجلطة بالمخ”. ويظهر بالوثيقة الختم الرسمي لمستشفى أسوان الجامعي بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول الجاري.
بالمقابل، أكد محافظ أسوان -خلال تصريحات تلفزية- تسجيل 5 حالات وفاة مؤخرا في “أبو الريش” و”دراو” -المرصود بهما حالات الإعياء- مبينا أن أسباب الوفاة هي “قصور في عضلة القلب أو أمراض أخرى غير النزلات المعوية”.
تشكيك
نقلت صحف محلية شهادات أهالي بأسوان تتضمن تشكيكا في جودة مياه الشرب، خاصة ما يتعلق بالتوازن بين المياه الموجودة بأحواض التنقية داخل محطات المياه وكميات الكلور التي تتم إضافتها للقضاء على الميكروبات.
في حين اضطرت شركة الصناعات الكيميائية المصرية (كيما) -وتقع جنوبي شرقي أسوان- للدفاع عن عمليات التخلص من مخلفاتها الصناعية بعدما واجهت اتهامات بتلويث مياه النهر بإلقائها فيه. وبحسب بيانها، فإنها تخضع للمتابعة الدورية من الجهات الرقابية بخصوص البرامج اللازمة لمعالجات الصرف الصناعي.
ودافع المسؤولون الرسميون بأسوان عن سلامة مياه الشرب، وأكد مدير عام الصحة أن فرضية حدوث تلوث بالمياه تعني التسبب في تسمم الآلاف وليس حالات على نطاق ضيق كما هو الحال على أرض الواقع. كما أكد مدير شركة مياه الشرب والصرف الصحي مطابقة العينات التي تم سحبها من محطات الشرب والمنازل للمواصفات القياسية. وزار محافظ أسوان منطقة أبو الريش، أمس الأحد، حيث التقى بعض الأهالي داخل منازلهم وشرب المياه للتأكيد على سلامتها.
وبرز الإعلان عن تفشي وباء الكوليرا في السودان، في أغسطس/آب الماضي، كمبرر للتكهن بكون السودانيين الوافدين إلى أسوان “هم سبب نقل العدوى”. ووفق أحدث رصد رسمي بالسودان، ارتفعت حالات الوفاة بالكوليرا إلى 388، بينما بلغت الإصابات بها 12 ألفا و896 حالة.
وحتى 26 أغسطس/آب الماضي، وصل عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة إلى نحو 470 ألفا، أما المقيمون بمصر دون صفة لاجئ فيزيد عددهم عن 5 ملايين، وفق تصريحات مسؤولين مصريين. وأكد محافظ أسوان أن التحاليل، التي أجريت للمرضى داخل المستشفيات وتمت مراجعتها بالمعامل المركزية لوزارة الصحة، أثبتت عدم إصابتهم بالكوليرا.
ما علاقة السودان؟
تظل الجارة الجنوبية داخل دائرة الشك حيال ما يحدث في أسوان، ففي أغسطس/آب الماضي، تعرضت مناطق شمالي السودان لأمطار غزيرة وسيول في مدينة أبو حمد، مما أدى لوقوع وفيات وإصابات، وتعرضت المنازل والأراضي الزراعية لأضرار بالغة، كما طالت الأمطار مناطق التنقيب عن الذهب وسبكه.
ونشر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي -على فيسبوك- تحذيرا من تداعيات السيول بتلك المنطقة التي تعد إحدى أكبر المناطق التعدينية بالسودان. وتوقع أن تجرف السيول الكثير من مخلفات المناجم بما فيها العناصر الثقيلة كالرصاص والزنك والكبريت، والسيانيد المستخدم في فصل الذهب عن باقي المعادن مما يزيد من تلوث المنطقة التي تبتعد عن أسوان بنحو 500 كيلومتر.
وقال المرشح السابق لمجلس النواب عن محافظة أسوان محمد دين حسن إن الوضع صار أكثر استقرارا داخل مستشفيات المحافظة، مؤكدا أن الحالات المرضية تعاني من أعراض واحدة وهي القيء والإسهال.
وأوضح -للجزيرة نت- انتشار كثير من الشائعات بخصوص أسباب حالات الإعياء، مستبعدا أن يكون للوافدين السودانيين أي دور في نقل الكوليرا كونهم ينتشرون بأنحاء مصر ومن غير المنطقي أن ينقلوا العدوى لمناطق محددة فقط بأسوان. كما استبعد أن يكون المرضى تناولوا مأكولات ملوثة أدت للإعياء كون المسافة بين منطقتي “أبو الريش” و”دراو” تبلغ حوالي 30 كيلومترا.
ورجح حسن أن تكون السيول التي تعرضت لها منطقة أبو حمد السودانية هي السبب وراء ما يحدث في مدينته، وأردف “السيانيد المستخدم في تصفية معدن الذهب هو مادة قاتلة، وقد جرفت الأمطار الغزيرة الشهر الماضي أحواضه إلى نهر النيل حسبما نقل لي شهود عيان بالمدينة السودانية”. وقال “ربما تكون المرشحات المسؤولة عن نقل مياه النيل لمحطة أبو الريش لتنقية المياه تتضمن عيوبا فنية، وهو ما أدى لتسرب كميات ضئيلة جدا من السيانيد للمياه وبالتالي وصل صنابير المنازل مما أدى لحالات الإعياء”.
وبحسب شهود عيان تواصلت معهم الجزيرة نت، فإن مناطق أخرى بمحافظة أسوان أصبحت تعاني مؤخرا من تلوث مياه الشرب التي تخرج من الصنابير بلون داكن، ومن تلك المناطق قرية النقادية بمركز إدفو وهي تبعد عن مدينة أسوان نحو 100 كيلومتر.
المصدر : الجزيرة