الناس لا تتغير!
عشت وشقيقتى سنوات عمرنا الأولى مع جدتى. كانت تفصل بيننا وبينها سنوات كثيرة فى العمر وسنوات أكثر فى التفكير. جدتى كانت سيدة منظمة شديدة الدقة. تغضب لو انتقل شىء من مكانه ولم يرجع! قواعد البيت كانت صارمة: مواعيد محددة للأكل وللنوم وللمذاكرة ولمشاهدة التلفزيون. لم يجرؤ أحد على اختراق هذه القواعد أو محاولة تغييرها.
لم تكن القواعد تتغير إلا لو قررت تعديلها لاكتشافها نظامًا أفضل! كانت شديدة الارتباط بنا، ولكنها نادرًا ما كانت تعبّر عن مشاعرها بالكلمات. كان أقصى أحلامها أن تنجح فى تربيتنا، فنخرج للحياة فتيات مهذبات، ناجحات فى الدراسة، قادرات على تحمل مسؤولية بيت وأبناء!
كثيرًا ما كنت أشكو لوالدى «مصطفى أمين» من صرامة نظام جدتى.. كنت أقول له إنها «دقة قديمة» تعيش فى الماضى، ويجب تغيير طباعها وأفكارها. كان والدى يكرر علىّ دائمًا أن هذا ضرب من المستحيل! فالناس لا تتغير، وكلما تقدم العمر أصبح التغيير أكثر صعوبة.
قال لى يومًا: كل واحد فينا يتصور أنه على صواب وغيره على خطأ. الإنسان لا يغيّر قناعاته إلا لو أراد هو نفسه أن يغيّرها لسبب ما، دون أن يحاول غيره أن يحثه على التغيير. كان يضحك ويقول: يعنى مثلًا لو حاولتِ أن تغيّرى فى طباعى ما لا يعجبك فلن أتغيّر! وكنت أقول له: إذن، لماذا تنتقدنى أحيانًا، كى لا أكرر خطأ ارتكبته؟. فيقول: كونى أبًا يمنحنى هذا الحق، ولكننى عندما أعبر عن رأيى وأنصحك، أضع احتمالًا كبيرًا أنك لن تستمعى لنصيحتى، وسوف تتعلمين من تجاربك الخاصة!
وعندما مرت السنوات وزادت تجاربى فى الحياة، تأكدت من صحة مقولة والدى. تعلمت أن أعطى كل المحيطين بى مساحتهم. لا أتدخل فى شؤونهم إلا لو طلبوا منى. لا أعتبر نفسى وصية على أحد مهما صغر سنه أو شأنه. أستمع له متى أراد منى الإنصات. ألتزم الصمت إلا لو طلب المشورة. تأكدت أن الصمت أفيد من الكلام!
بمرور الوقت درّبت نفسى على تقبل الاختلافات والبعد عن التعصب فى الآراء، ونجحت فى ذلك بنسبة كبيرة بعد أن اعطيت أعذارًا للنفس البشرية.
لكى نعيش سعداء يجب أن نتقبل الناس كما هم!
صفية مصطفى أمين – المصري اليوم