آراء

أعلى الناس منزلة عند الله!

يسعى الإنسان بطبعه ـ وربما بمحض رغبته ـ إلى ترك الأثر موصولا بعد موته، وممتدا بعد وفاته.. ليبقى ذكره باقيا ما دامت الدنيا.

والرهان الأكبر هو أن يكون ذاك الأثر المؤمل ذا «تأثير» وذا فاعلية وسطوة تشبه روحه، تفيض بسيماه كبصمة تنقل توقيعه، وختم يتركه وداعا لمن خلفه، وشهادة أنه مر من هنا، مر.. وهذا الأثر.

فمما لا شك فيه أن صاحب الخلق الحسن من أعلى الناس منزلة عند الله تعالى، ومن أعظمهم أجرا.

وعلى العبد أن يسعى في اكتساب محاسن الأخلاق وأن يتخلى عن مساوئ الأخلاق، وإذا كان مستقرا في نفوس بني آدم أن تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس من أشق وأصعب الأمور، لكن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا.

بل إن العبد إذا أخذ بالأسباب وجاهد واجتهد وفقه الله تعالى لاكتساب محاسن الأخلاق.

ولا شك في أن هناك ارتباطا وثيقا بين الأخلاق والإيمان، فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق من صدق، وكرم، وحلم، ونحو ذلك. وهذه العقيدة الصحيحة تمنعه من كثير من مساوئ الأخلاق من طغيان وكذب وكبر وجهل وظلم وخبث ونفاق، وغيرها.وقد قيل:

قد مات قوم وما ماتت فضائلهم..

وعاش قوم وهم في الناس أموات!

لذلك، فإنه من اللائق أن ندرك باكرا أن الموت الحقيقي ليس هو موت الأجساد، وغياب الأبدان، إنما الموت هو موت الذكر الطيب، وانعدام حسن الأثر.

فلطالما كان الذكر الحسن ملازما لأولئك الذين تركوا آثارهم النيرة حيثما مروا، شيئا من فكرهم ومشاعرهم وأقوالهم وأفعالهم وعلمهم، ولربما حتى بشذى أرواحهم فقط فهي بركة تحل حيثما حلوا.. وليس ذلك إلا لأنهم نثروا الطيب أينما كانوا، وظل عطرهم عابقا في الأرجاء في حياتهم وبعد مماتهم.

فلا يعدم مرورهم من خلق رفيع، أو لطف يصيب، أو عطاء يقدم بقلب رحيم وحب للخير والإحسان، أو علم ينشر بعقل رزين وحكمة بالغة، أو نور يبدد الظلمات.

فمقامهم عال يعرف، واسمهم بالطيب يذكر، في حياتهم، وبعد مماتهم.وهذا ـ لعمري ـ لهو الأثر الباقي، والإحسان المستمر، والحياة الحقة، والكرامة الممتدة، والذكر المحفوظ عند الله بحسن العمل، وعند الناس بشهادة شرف النفع وكرامة الأثر.

كما قال الشاعر:

يفنى العباد ولا تفنى صنائعهم

فاختر لنفسك ما يحلو به الأثر

لحظة إدراك: ترك الأثر اختيار، وبقاء طيب الذكر انتقاء.. وليس ترك الأثر في حد ذاته هدفا يرمى، فكم من تارك لأثر مضر مؤذ منافق، خبيث، وكم من ذكر غير طيب ولا مستملح، تلوكه الألسن عبر الأيام حتى يصبح صيتهم متبوعا بنعت «سيء الذكر» لا يستطاب، وأثرهم الباقي ذكرى خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فتنبه واختر لنفسك «ما يحلو» به الأثر.

فاطمة المزيعل – الأنباء الكويتية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى