سد النهضة الأثيوبي.. مشكلة أم أزمة؟
يحتاج الإنسان إلى كمية مياه سنوية تعادل ألف متر مكعب لتلبية احتياجاته الحياتية ويحتاج الشعب المصري ما يعادل ١٠٥ مليارات متر مكعب سنوياً للوفاء بمتطلباته المائية وللعيش فوق حد الفقر المائي. حسب اتفاقية تقاسم مياه النيل الموقعة في عام ١٩٥٩ فمن المفترض أن تحصل مصر على ٤٨ مليار متر مكعب وتحصل السودان على ٤ مليارات متر مكعب من الحصص المائية، وذلك بسبب رغبة الدولتين في إنشاء السد العالي آنذاك وزيادة الإيراد المائي. وجاءت هذه الاتفاقية مكملة لاتفاقيتي عامي ١٩٠٢ و١٩٢٩ واللتين تنص بنودهما على عدم إقامة أي إجراء على نهر النيل وفروعه وروافده من شأنه تقليص حصة مصر بدون اتفاق مسبق. تتمثل الأزمة الاقتصادية في الوقت الحالي في أن الموارد المائية المتجددة لدى مصر لا تزيد على ٦٢.٣ مليار متر مكعب من مياه نهر النيل ونحو ٥.٥ مليار مياه جوفية ونحو ١.٣ مليار من الأمطار والتي يستفاد منها في أعمال الري. ولحل هذه الفجوة المائية، قامت مصر بإنشاء العديد من محطات تحلية مياه البحر لتنتج ١ مليار ثم ترفع نسبة الإنتاج تدريجياً إلى ٥ مليارات في عام ٢٠٣٠ وما بعده. قامت أيضاً بالبحث عن مياه جوفية جديدة في عدد من مناطق الصحراء الغربية واعتمدت بعض التقنيات لتطوير أعمال الري الحقلي ومعالجة المياه المعاد استعمالها بهدف زيادة وتحسين جودة المياه، بالإضافة إلى إعادة هيكلة السياسة الزراعية واستيراد المواد الغذائية من الخارج لتغطية نقص المياه الذي يعادل ٣٤ مليار متر مكعب للسنة الواحدة. وتُعزى المشكلة السياسية من سد النهضة الأثيوبي إلى نقص الشفافية في تبادل المعلومات حول تطورات تشغيل السد وانتهاج السياسات الأحادية من قبل أثيوبيا والمخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، وخرق وثيقة اتفاق اعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وأثيوبيا في عام ٢٠١٥ كما جاء في بيان الخارجية المصرية في الأول من شهر سبتمبر الحالي.
ويعود إنشاء سد النهضة إلى عام ٢٠١١ بتكلفة أربعة مليارات دولار وهو أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا ويتوقع أن ينتج خمسة آلاف ميغاواط عند تشغيله كليًا أي بضعف الإنتاج الحالي لأثيوبيا. تأتي التدابير الاحتياطية التي تتخذها الحكومة المصرية لتوفير المياه وترشيد استخدامه حرصاً على عدم وصول أضرار أعمال سد النهضة إلى المواطن، مما يكلف خزينة الدولة مئات مليارات الجنيهات سواءً عبر إعادة تشكيل إنتاج المحاصيل الزراعية أو توفير المياه من طرق أخرى غير نهر النيل. ومن ناحية المخاطر الجيولوجية فقد حذرت مصر والسودان من المشكلات الموجودة في بنية سد النهضة وطالبت الدولتان بضرورة المشاركة مع أثيوبيا في وضع اجراءات ملء السد، حيث يرى بعض الخبراء أن السد مقام على تشقق أرضي مما يزيد من احتمال انهيارات التربة ولكون المنطقة معرضة جيولوجياً لحدوث الزلازل. ولهذا صرّح خبير السدود المصري عباس شراقي بأن انهيار السد سيشكل خطراً إقليمياً يتطلب تدخل مجلس الأمن، وأن الخطر الأكبر يواجه جمهورية السودان ويعرض حياة نحو عشرين مليون سوداني يعيشون على ضفاف النهر في حالة حصول انهيار للسد المائي للخطر. من الجانب الآخر، ترفض اثيوبيا هذه النظرية وتجدها خالية من الصحة حيث ان ادعاءات انهيار السد غير ممكنة بسبب اعتماد الدراسات الفنية والموثوقة والتي تأخذ في عين الاعتبار النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية للسد. نرى ان الاستمرار في إجراء المفاوضات ضرورة حتمية للوصول إلى اتفاق ملزم لدول حوض النيل وكذلك الالتزام باستراتيجية الاتحاد والإدارة المشتركة بين دولة المنبع ودول الممر والمصب، من خلال معرفة متطلبات كل دولة والعمل على حل مشاكل التغير المناخي المؤدية إلى الجفاف ونقص مستوى تدفق المياه المستمر، والاستعانة بما جاء في المبدأ العاشر لاتفاقية المبادئ الذي يحث على التسوية السلمية للمنازعات أو إحالة الأمر لوساطة رؤساء الدول الأخرى.
وفي حال احتدام الأمر وفشل المفاوضات أو الوساطة يمكن اللجوء إلى التحكيم الدولي بتشكيل محكمة دولية خاصة بموافقة أطراف النزاع. ولا تزال أثيوبيا تعمل على تركيب عدة توربينات ليصل عددها الإجمالي إلى ١٣ توربيناً. وحسب خبير السدود شراقي فإنه إذا لم يتم تركيب التوربينات وتشغيلها فإن استمرار تخزين المياه سيشكل ضغطاً هائلاً على السد مما يتطلب فتح بواباته وتصريف المياه من جديد، هذا بالرغم من اكتمال بناء السد بنسبة ٩٥ بالمائة. ورغم محاولة مصر المستمرة للتفاوض حول سد النهضة الأثيوبي إلا أنها لم تصل إلى نتائج واضحة مما دعاها مؤخراً لتوجيه خطابها إلى مجلس الأمن، وأكدت في المقابل على احتفاظ القاهرة بحقها المكفول بموجب الاتفاقيات الدولية للدفاع عن حقها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر. إذ يحصل الفرد على حصة مائية بنحو ٥٠٠ متر مكعب سنويًا، مما يعني وجود فقر مائي في البلاد حسب تعريف الأمم المتحدة لخط الفقر المائي العالمي.
فاطمة الجابر – الشرق القطرية