آراء

يحيى سريع.. المتحدث باسم من؟

ليس يسيرًا، بل لعله ليس متاحًا!، أن تعرف من هو المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة اليمنية.

فنتائج البحث الأولية، وهى الأكثر عددًا، تشير إلى الرجل ذى الوجه والصوت المألوفين، العميد ركن «يحيى سريع»، الذى طالما شاهدناه فى عدد من البيانات ببذلته العسكرية ومنظاره الطبى وحنجرته الخطابية ذات المدود والإمالات فى النطق، كما لو كان يخطب فى الجماهير، ولا يلقى بيانًا.

وقد انتشرت لـ«سريع» صورة وهو يركب «موتوسيكل» خلف أحد المواطنين ليصل إلى إحدى الساحات لإلقاء بيان، أو هكذا صاحب تعليق الصورة!

ولـ«سريع» شعبية لها صبغة كوميدية بعض الشىء، حتى أن مواطنًا أمريكيًا سجل فيديو ساخرًا حاز شهرة واسعة، وهو يحاكى فيه لهجة «سريع» بينما يلقى بياناته بلكنة يمنية أصيلة مرددًا جملته الأكثر تكرارًا: «إن (الجوات) المسلحة اليمنية»..

كما انتشرت فى يناير الماضى صورة لغرفة عمليات عسكرية أمريكية يعكف الجالسون فيها على متابعة بيانات يحيى سريع على شاشات التلفاز المثبتة أمامهم وعلى شاشات الكمبيوتر. إلا أن الصورة تم تكذيبها فيما بعد، وقيل إنها مفبركة. وهو على أية حال جزء من «الصخب» المصاحب ليحيى سريع أينما حل وحلت سيرته.

لكن كان يلفتنى دومًا أن «سريع» يهاجم الولايات المتحدة ويلقى بيانات ضد إسرائيل ويشرح عمليات جرت فى البحر الأحمر ضد السفن ذات الارتباط بواشنطن وتل أبيب، فيما يبدو متسقًا مع الخط الحوثى لا مع الخط الرسمى للدولة اليمنية.

ولا أكذب عليك، عزيزى القارئ، وأدعى أننى أعرف الموقف الرسمى للدولة اليمنية كما قد توهمك جملتى السابقة، إذ إننى لا أدرى ما هو على وجه التحديد، من فرط ما تجمد المشهد اليمنى عند نقطة معقدة منذ عدة سنوات. وقد تجمد بينما لم ندرك جيدًا مسارات التقلب التى غشيته، ولا تداخلات الأطراف الفاعلة فيه، ولا النصف حل الذى آلت إليه الأمور.

فالشأن اليمنى ليس من الشؤون ذات الشعبية الواسعة فى العالم العربى (كالفلسطينى واللبنانى مثلًا) كى ندرك الفاعلين على رقعة الشطرنج، ولنتابع بورصة النجوم فيه، ومنحنيات الفواجع فى أيامه الشاقة التى طالت تظليلها للإقليم منذ عقد على الأقل.

فهو شأن ناءٍ- بفعل فاعل- كاليمن السعيد ككل، ومتداخل ومتشعب كالحال الليبى، ومثير للأسى كما هو السودان الشقيق.

إلا أنه بالبحث المطول سيتم تعريف العميد ركن يحيى سريع بأنه الناطق الرسمى باسم القوات الحوثية (أو ميليشيا الحوثى)، تبعًا لموقفك السياسى ومفرداتك الخبرية، وليس ناطقًا باسم القوات المسلحة اليمنية كما يشير كثير من الأخبار، وكما يشير التعريف الخاص به على صفحة ويكيبيديا، والتى تبدو- هى الأخرى- كصفحة دعائية لا تعريفية.

وفى هذه الأثناء سيظهر على شاشات قناة «العربية» العميد عبده مجلى، مصحوبًا بتعريف يفيد بأنه «الناطق باسم الجيش اليمنى».

وقد حاولت فك الاشتباك والارتباط، لأدرك- كأى مواطن عربى- من هو؟

فى ظل زمن كثر فيه من يرتدون البذلات العسكرية فى العالم العربى ويلقون البيانات، تارة باسم الدولة، وتارة باسم الميليشيا، وتارة باسم حركة التحرير، وتارة باسم جماعة عقائدية.

ومنشأ المسألة أن عددًا من الألوية العسكرية التى كانت تتبع الجيش اليمنى والحرس الجمهورى انضمت للحوثى، بعدما تحالف معه على عبدالله صالح، ليواجها سويًا طيران التحالف الذى تقوده المملكة العربية السعودية.

ولمزيد من التوضيح- أو لعله التعقيد- أن ندرك أن صالح والحوثى تحاربا عدة مرات على مدار سنين سابقة، لكن لكليهما من المرونة والبراجماتية والتكوين النفسى قابلية أن يتحدا مجددًا تحت مظلة واحدة.

وهى خصيصة من خصائص الداخل اليمنى الذى تتحكم فيه عقيدة القبيلة بأكثر من تقاليد الدولة، وتندفع فيه المشاعر بأكثر مما تتلاقى العقول، وتتقاطع فيه المصالح الآنية بأكثر مما يكون التفكير فى المستقبل المشترك.

ومن ثم صار هناك تداخل بين المكون العسكرى الرسمى للجيش اليمنى، والمكون العسكرى الميليشى لحركة الحوثى، بحيث يمكن الادعاء- جزئيًا- بأن «يحيى سريع» متحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، وبحيث يصح وصفه بأنه المتحدث العسكرى باسم جماعة أنصار الله الحوثى، فى واحدة من فانتازيات الشرق الأوسط.

وبحيث يصير توصيف «يحيى سريع» فى كل السياقات الخبرية، المدفوعة بمواقف سياسية لمُلاك وسيلة الإعلام أو للقائمين على الوسيلة، مقبولًا وله حظ من الواقع.

ولو أنى أختار شخصيًا أن يتم تعريفه بالارتباط بحركة الحوثى، إذ إنه لا وجود فعليًا ولا موقف معلنًا ولا سياق متبلورًا لإدراك الجيش اليمنى كمؤسسة وسط هذه العواصف.

ففى إحدى القنوات الخبرية على تطبيق «تليجرام»، والتى تضم قرابة ربع مليون مشترك وتحمل اسم «المتحدث الرسمى للقوات المسلحة اليمنية»، مصحوبة بصورة «يحيى سريع»، يطل على هاتفى الرجل كثيرًا وكثيفًا ليشرح عمليات عسكرية، تعقبه خطابات مُسيسة لعبدالمالك الحوثى شخصيًا، زعيم حركة أنصار الله.

وقد كنت أود الكتابة هذه المرة عن احتفال «الحوثى» بالمولد النبوى الشريف على ظهر السفينة الإسرائيلية المصادرة «جالاكسى ليدر» بعدما زين سطحها بالإضاءة الخضراء الغامرة، وأن أتطرق لرمزية هذه الفعلة ضمن الرمزيات الدينية التى تكتنف العدوان الإسرائيلى على غزة، بحيث صار عدوانًا يهوديًا خالصًا، وكيف أنشأت هذه الأفعال ردود أفعال مضادة، منها الاحتفال على ظهر «جالاكسى ليدر» على النحو الذى بثته حركة الحوثى.

لكن الاستيثاق من المعلومات الأولية المتعلقة بمكونات الخبر دفعنى للالتفات الجاد إلى هذه الحيرة التى تنتابنى منذ زمن ولم أكن أولى لها انتباهًا كافيًا حول هوية «يحيى سريع».

وقد قادنى الاستيثاق إلى هذا البحث الطريف الذى يعكس ضمن ما يعكس مأساة هذا الإقليم المتنازع على كل متر مربع فيه.

أحمد الدريني – المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى