حوارات

الرّوائية و الشّاعرة هيام التّوم: أخاطب المشاعر والعقل في الرّواية و ألامس الرّوح في الشّعر

روائية و شاعرة لا يكّل القلم من مغازلة أناملها، نجلس إليها في هذه المساحة الإبداعية، من أجل الوقوف، على جمال ما تزيّن به رفوف المكتبة العربية في مجال الكتابة. كانت طفلة خجولة، إلاّ أنّها استطاعت أن تضيف إلى المكتبة، اسمها دون خجل، وأصبح اليوم، يجالس الأسماء الكبيرة، وهو منتصب القامة. تتحدّث في هذا الحوار بالتّفصيل عن الكثير من محطّات حياتها، في عالم الإبداع، وأهم مشاريعها وأفكارها، الّتي أصبحت اليوم علامة مسجّلة باسمها.

كيف تقدّم هيام التّوم نفسها للقارئ، الشّخصيّة وبعدها المبدعة؟

قد أكون قصيدةً بدأ بها اللّه منذ خمسين عامًا، يضيف عليها يوميًّا، يعدﱢل فيها، واحدة من قصائده.. أتمنَّى حين أكتمل أن أنال رضاه وإعجابه أوَّلًا، وأن أكون قد أضفت إلى هذا العالم نكهة مميَّزة، لأستحقَّ البقاء في سجلَّات الإبداع…شغوفة بالمعرفة، مدمنة على القراءة، قراءة الكتب وقراءة الناس. أعمل في العلاج الفيزيائيﱢ، أحلم أن أتفرَّغ للحبر. تستهويني الكلمة قراءةً وكتابةً وتأويلًا. كتبت الشعر ولي فيه “نزوات ذاكرة” و”على ذمَّة الخيانة”، وكتبت الرواية ولي فيها “غرام مع حبيب سابق” و”صدى الحطام”، وهي الرواية المشتركة مع طلَّابي في ورشة تعليم تقنيات كتابة الرواية التي أقدﱢمها في ورشة.

– لكلﱢ كاتبٍ أو شاعرٍ، حادثة أو محطة استفزَّت الإبداع بداخله، فترجمها إلى أعمال أدبية وضعته على قائمة أسماء المبدعين. ما هي نقطة البداية بالنسبة إليك، وكيف كانت؟

ربَّما كنتُ طفلة خجولة، ومراهقة حسَّاسة.. جبانة بعض الشيء؛ لم أكن أجرؤ على الكلام في صغري، فلجأت إلى الورق أستغيث به ليكون صوتي، فكان وما زال. لجأت إلى الشعر؛ فهو يعبّر عنّي أكثر منّي.. لا أستفيض إلَّا في الكتابة، تسيل الحروف من قلمي بسلاسة أكثر ممَّا تخرج على شفتَيَّ. وعندما كبرتُ أدركتُ أنَّ الدموع التي تنهمر من عيون الناس تتجمَّع في محبرتي، وأنَّ أوجاعهم تتسامر في ضميري.. فصرت صوتهم. ربما رددت فضل الشعر بكتابة الرواية؛ فرحتُ أحكي في رواياتي عن التجارب الوجدانيَّة الإنسانيَّة، عن الحبﱢ والحنين والحرب، عن الوجع والظلم والفقد.

-أصبحنا اليوم نقف في مساحة كبيرة مع المبدعين الشّباب خاصّة ممّن يؤسسون لاسم كاتب أو مبدع، كيف ترين هذا من وجهة نظرك؟

أقول دائمًا إنّ الحياة رحب صدرها، وكذلك الإبداع، لا ضير أن يكون هناك الكثير من المبدعين، من الكتّاب والشّعراء والأدباء، الخطأ أن يحتموا تحت اسم كاتب أو مبدع، دون أن يمتلكوا أدنى مقوّماته، فأوّل شروط الإبداع الإتقان؛ اقرأ كثيرًا، أتقن لغتك، اعرف عناصر النّوع الّذي تكتب فيه، خصائصه، كن ناقدًا لذاتك كلّ يوم، كثّف صورك، اجتهد وادخل إلى ساحة الإبداع من بابها العريض. حبّذا لو يمتلأ هذا العالم بالمبدعين عوض أن يبقى الإنسان يحيا لأجل حاجاته الإنسانيّة الأوليّة…

– من وماذا تخاطبين من خلال ما تكتبين سواء شعرًا أو نثرًا؟

لعلّي أخاطب “هيامًا” في المقام الأوَّل، أعبّر عمَّا يدور في خوالجها أكثر منها.. أفكّكها، أعيد تكوينها، أغربل معتقداتها وأفكارها كلَّ يوم. ثمَّ أخاطب الروح، فالشعر إن لم يلامس روح القارئ يبقى سطحيًّا. وأخاطب المشاعر والعقل في الرواية، فأثير الأسئلة وأحثُّ المتلقّي على الانفتاح على أفكار أخرى، على عوالم لا يعرفها، أدفعه ليشعر مع الآخر عوض أن يحكم عليه، أن يعيش أكثر من حياة. على الكاتب خلق فضاءات جديدة لتلعب فيها رياح التغيير، أن يفتح آفاقًا بكرًا، لم تطلها أفكار القارئ من قبل، أن يقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله، أن يخاطب الإنسان روحًا ونفسًا وعقلًا وقلبًا… وهذا ما أسعى إليه؛ أن يتلقَّف القارئ كتاباتي بكلّيته.

– حدﱢثينا عن ورشة ٢٩: الاسم، والهدف، والمحتوى، وكيف كان التفاعل حتَّى الساعة معها؟

ورشة ٢٩ هي حلمٌ راودني منذ خمس سنوات حين سألتُ نفسي. لمَ لا يكون هناك فضاء ثقافيٌّ يساعد الموهوبين على صقل مواهبهم، لِيلجوا عالم الإبداع مسلَّحين بما يلزمهم من كفاءات؟ منصَّة تعلّمهم تقنيات الكتابة في كلﱢ المجالات… منصَّة تساعد من يريد أن يكون كاتبًا في معرفة أسس الكتابة، ودعائمها، وقوانينها، وتحدﱢياتها، ما يضعفها، وما يقوﱢيها، عدتُ إلى الجامعة لأجل هذا الحلم، والآن أنا في السنة الثانية من رحلة الماجستير، وأسَّستُ ورشة ٢٩، و٢٩ كما هو معلوم هو عدد حروف اللُّغة العربيَّة، اللُّغة التي تضمُّ تحت جناحيها كلَّ مجالات الإبداع، الحروف التي انطلقت منها كلُّ العصافير… الحروف التي لا تنضب رغم صدور الملايين من الكتب والدواوين، الحروف/المنجم، التي تزهر عطرًا ورياحينًا. من هنا كانت التسمية.

وإضافةً إلى ورش تعليم تقنيات الكتابة، نقيم في ورشة ٢٩ دورات وورش عمل في مجالات شتَّى، لتنمية المهارات المختلفة وزيادة الوعي. عسانا في هذا الركن الثقافيﱢ الفكريﱢ نساعد الإنسان على اكتشاف مواهبه وتطوير نفسه، وتنمية مهاراته.

التفاعل لا بأس به حتَّى اليوم بالنظر إلى كوننا ما زلنا في بداية المشوار، والأصداء من طلابنا والمشاركين في الورش التدريبيَّة رائعة. وسنسعى دائمًا في عائلة ورشة ٢٩ المكوَّنة من ثُلَّةٍ من المتخصصين إلى تقديم الأفضل.

-يشتكي الكلّ من الرّداءة في الإبداع، بل ويتّهم بعضهم نخبة معيّنة، لأنهّا في اعتقادهم، السّبب المباشر في تدنّي مستوى الإبداع هل توافقين الطرح؟

لا أريد استعمال كلمة اتّهام..ولكنّني أقول الكلمة مسؤوليّة، والتّصفيق للكلمة مسؤوليّة أيضًا، ومن غير المسموح للنّخبة الّتي من المفترض أن تكون حريصة كلّ الحرص على اللغّة وعلى الإبداع في كافة مجالاته، أن تراوغ وتساير لأسباب مختلفة. هذا العالم لا يحتمل الزّيف، لذا على النّخبة أن تكون حادّة كالسّيف، وعلى المبدع أن يعمل على نفسه، ليكون له اسمه وأسلوبه وبصمته الخاصّة. وعلى النّخبة تشجيع الموهوبين طبعًا وعدم إحباطهم، ولكن عليها أيضًا توجيههم بغير محاباة….

-ألا ترين، أن شبكات التّواصل الاجتماعي،صنعت كتّابًا ومبدعين من وهم إن صحّ التعبير، حتّى ولو كان على حساب سرقة اجتهاد غيرهم، أو اجترار محتوى من سبقهم إلى هذا المجال؟

كلّ ذلك زائل يا صديقي، الزّمن يغربل النّاس، ولا يبقى إلّا من يستحق، إنّ حبل الكذب قصير، وحبل السّرقة في مجال الإبداع فاضح. وشعراء مواقع التّواصل هم طفرة حاليّة ككلّ شيء في هذا العالم الوهميّ، فيروز تبقى فيروز مهما غنّت المغنيّات على شبكات التّواصل، والمبدع الحقيقيّ وإن بدأ على مواقع التّواصل هو الّذي تكون عينه على فيروز واتّجاهه نحوها.

-كيف يمكن أن نؤسّس لجيل يقرأ، ونحن متّهمون بأننا أمّة اقرأ لا تقرأ، خاصّة في ظلّ انتشار التّكنولوجيات الحديثة؟

هنا بيت القصيد، وهنا مكمن الوجع،ولكن ليست مصيبتنا وحدنا إنهّا مصيبة العالم بأكمله، لا أؤيّد أنّها بسبب التّكنولوجيا فالأخيرة تساعدنا على الحصول على الكتاب، ولا تمنعنا من القراءة، وسبب المصيبة هو برأيي تغيير المفاهيم والقيم، وتدمير سلسلة الأخلاقيّات، وتبدّل سلّم المعايير والأولويّات، لذلك علينا العمل أفرادًا ومؤسّسات، في المنزل والمدرسة والجامعة لنعيد للقراءة والكتابة دورهما الذي همّش، ولنعيد للكاتب أهمّيته… مشكلة الجيل الجديد أن التيكتوكر المشهور بالنّسبة إليه صار أعلى قيمة من الكاتب أو المبدع، وأنّ القيمة صارت للمال والشّهرة وليس للفكر والعلم والثّقافة. ومشكلتنا أنّنا لم نطرح أنفسنا كمحور يستطيع تقديم الحلول للجيل الجديد، القضيّة أكبر من قصّة القراءة وعلى المثقّف النّخبويّ إعادة النّظر في دوره، وفي كيفيّة لعب هذا الدّور ليعيد للإبداع قيمته في عيون الجيل الجديد…

– ماذا تحضّرين للمكتبة العربيَّة مستقبلًا، وبماذا يمكن أن تزيّني رفوفها؟

لقد أنجزتُ روايتي الجديدة. أفكّر في عنوانٍ مُلائمٍ لها وأبحث عن لوحةٍ لغلافها من المتوقَّع أن تكون على الرفوف في معرض بيروت العربيﱢ الدوليﱢ القادم إن شاء الله. أمَّا ديوان الشعر “رسائل الهيام”، فقد ينتظر للعام المقبل.

كما أعمل مع طلَّابي على روايةٍ جديدة؛ فقد آليتُ على نفسي ألَّا تبقى الدروس نظريَّةً. لِذا، فنحن نكتب خلال كلﱢ ورشة رواية تكون بمثابة تطبيقٍ عمليﱟ لهم، علَّنا بذلك نساهم في رفع مستوى الإبداع..

صالح عزوز – الشروق الجزائرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى