الشدة أم القسوة و «شعرة معاوية»
يدور في ذهني كثيرًا تساؤل حول مدى فعالية الشدة في تربية الأطفال مقارنة بالقسوة والعنف، ورغم احترامي الكامل لكل الآراء والنظريات في هذا الشأن، أرى أن هناك فرقًا دقيقًا، يشبه «شعرة معاوية»، بين الشدة والقسوة والعنف في تربية الأبناء، يمكن أن تكون الشدة ضرورية في بعض الحالات لضبط السلوك وتعليم الانضباط، ولكنها يجب أن تُستخدم بطريقة معتدلة وموجهة، الأهم هو أن تكون التربية قائمة على التفاهم والاحترام، حيث يعزز استخدام الأساليب الإيجابية والتعليمية من سلوك الطفل بشكل أفضل من العقوبات الشديدة، التوجيه والقدوة الحسنة يلعبان دورًا كبيرًا في تعزيز السلوك الإيجابي لدى الأطفال.
والفرق بين الشدة والقسوة واضح تماما فالشدة، تعني وضع قواعد واضحة وحدود صارمة وهي وسيلة لضبط السلوك وتعليم المسؤولية، ويجب أن تُستخدم بأسلوب معقول ومنظم ومقبول من قبل الطفل، أما القسوة تشمل أساليب تأديبية مبالغ فيها وغير مبررة، مثل العقوبات التي تتجاوز الحدود المعقولة أو تتضمن الإهانة والإذلال، القسوة لا تسعى لتحسين سلوك الطفل بل تفرض السيطرة عبر إحداث الألم أو الخوف، مما يؤدي إلى ضرر نفسي وجسدي.
وبينما كانت التربية في تسعينيات القرن الماضي تعتمد غالبًا على الأساليب التقليدية مثل الشدة والعقوبات، تركز التربية الحديثة على الأساليب الإيجابية مثل التواصل الفعّال والمكافآت، وكانت القيم الأسرية تعزز احترام الوالدين والطاعة دون الكثير من الحوار أو التفاوض، أما الجيل الحالي يكون التشجيع على الحوار والتفاهم والانضباط من خلال التوجيه بدلاً من العقوبات، كما لعبت التكنولوجيا دورا كبيرا مع الجيل الحالي خاصة وانه قديما كانت وسائل الترفيه والتواصل محدودة، والتفاعل كان يتم بشكل مباشر ومعتمد على الأنشطة الاجتماعية التقليدية، أما الجيل الحالي، فان التكنولوجيا أثرت ولا تزال تلعب دوراً مركزياً في حياة الأطفال، فالأجهزة الذكية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من التربية، مما يتطلب من الأهل مراقبة استخدام التكنولوجيا وإدارتها.
أما التواصل من وجهة نظري يكاد يكون مفقودا، فسابقا كانت العلاقة بين الوالدين والأبناء تقوم على الاحترام والطاعة، مع قليل من النقاش أو الحوار حول القضايا الشخصية، أما الجيل الحالي فالتواصل للأسف يتم عبر «الهاتف المحمول» و»الواتساب» وهي مشكلة كبيرة جدا تحتاح الى صفحات للكتابة.
ورغم اختلاف طرق التربية بين الاجيال الا أن الهدف النهائي يظل مشتركاً، تنشئة جيل قادر على النجاح والتكيف في عالم متغير، إلا أن التطورات الاجتماعية والتكنولوجية أفرزت أساليب جديدة تركز على التفاهم والمرونة، وتواكب التغيرات في بيئة النمو والتعلم للأطفال.
وفى جانب آخر نجد أن الشدة او القسوة لا تقتصر فقط على التربية والأبناء فهناك امور كثيرة فى حياتنا تحتاج الشدة أو الصرامة، فتعامل المعلم مع الطلاب وكيفية استخدامه الشدة فى تعامله مع الطلاب، والطيب مع مرضاه للالتزام بالدواء والرياضة خوفا على صحتهم ومساعدتهم على الشفاء، وهناك أيضا علاقة الوالدين بالأبناء لتقويمهم ووضعهم على الطريق الصحيح.
اذاً الشدة مطلوبة بالفعل فى جميع أمور حياتنا ليس فى التربية فقط، ففى امور الدين الحنيف والقرآن والسنة نجدها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد»، فالشدة في سياق الصلاة يمكن أن تشير إلى الالتزام الجاد والانضباط في أداء العبادة بشكل صحيح، لا تعني الشدة القسوة أو التعسف، بل تعني الالتزام والجدية.
وفي العمل هناك أمور كثيرة تتطلب منك استخدام الشدة لتحديد أهداف واضحة وصارمة لفريق العمل، ومتابعة تقدم العمل وضمان التزام الفريق بالمعايير المحددة، وتشجيع تحسين الأداء والابتكار، مع الحفاظ على التوازن بين الدعم والتحدي.
وأيضا استخدام الشدة في إدارة الوقت من خلال تحديد الأولويات، لذا كن حازمًا في تحديد الأولويات اليومية وتجنب التأجيل، مما يساعد على إدارة الوقت بفعالية، واتبع جدولك الزمني بدقة وكن صارمًا في الالتزام بالمهام المقررة، مما يعزز الإنتاجية والتنظيم.
أما العلاقات الشخصية فهي مطلوبة فاستخدم الشدة بطريقة بناءة لحل النزاعات بوضوح، مع الحفاظ على الاحترام المتبادل والتواصل الفعال، وكن حازمًا في وضع حدود واضحة في العلاقات الشخصية للحفاظ على التوازن بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين.
وفي صحتك كن صارمًا في الالتزام بنظام غذائي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام لتحقيق الأهداف الصحية، واستخدم الشدة لتجاوز التحديات والحفاظ على الدافع، حتى عندما يكون من الصعب الالتزام بالخطة، وفي تطوير شخصيتك استخدم الشدة لتحديد أهداف تعليمية واضحة والالتزام بمواعيد الدروس والمراجعة، وكن صارمًا في متابعة تقدمك وتقييم أدائك بانتظام لتجاوز نقاط الضعف وتحقيق النجاح.
وفي كل هذه المجالات، من المهم أن تكون الشدة متوازنة مع التعاطف والمرونة، الشدة لا تعني القسوة، بل تتعلق بالوضوح والالتزام والتوجيه بشكل إيجابي لتحقيق الأهداف.
في النهاية، نجاح التربية يعتمد على التوازن بين الشدة والقسوة، النجاح فى عملك وحياتك وصحتك وعلاقاتك الشخصية، يحتاح الى التوازن أيضا، استخدام الشدة بشكل معتدل يمكن أن يكون مفيدًا لذا يجب تجنب القسوة لأنها تؤدي إلى تأثيرات سلبية.
وجيدة القحطاني – الشرق القطرية