لا الرجال من المريخ ولا النساء من الزهرة
ما زلنا مع كتاب «أشهر ٥٠ خرافة فى علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة الشائعة حول سلوك الإنسان». ومن الخرافات التى يفندها الكتاب المقولات الخاصة باختلاف الرجال عن النساء، وهو أحد الموضوعات التى ألهمت الشعراء والأدباء والمؤلفين وكتاب الأغانى كثيرًا، فانتشرت الأغنيات والمواقف الدرامية فى المسرح والأفلام المستوحاة من فكرة اختلاف طرق التواصل بين الرجل والمرأة ووجود سوء فهم دائم بين الجنسين، تقول كلمات أغنية «سوء فهم» لفريق جينسيس» البريطانى:
لا بد أن هناك سوء فهم ما
لا بد أن هناك خطأ ما
انتظرت تحت المطر لساعات
لكنك تأخرت
ليس من عادتى أن أقول الشىء الصحيح
لكن كان بإمكانك الاتصال لإعلامى بالأمر
ويستشهد المروجون لهذه الفكرة بمقولة «سيجموند فرويد»: السؤال الكبير الذى لم يجب عنه أحد قط، والذى لا أزال بعد غير قادر على الإجابة عنه، على الرغم من بحثى ثلاثين عامًا فى خبايا النفس الأنثوية هو: «ما الذى تريده المرأة؟».
إن الاعتقاد بأن الرجال والنساء يتواصلون بأساليب مختلفة تمام الاختلاف، مما يؤدى إلى حالات سوء فهم دائمة، هو اعتقاد راسخ فى الموروث الشعبى يجعل الأعمال الدرامية تقدم الرجال وهم يتحدثون عن الرياضة والطعام والصيد والمضاربة فيما تتحدث النساء عن المشاعر والصداقات والعلاقات والحياة المنزلية. وتصور هذه الأعمال عادة الرجال على أنهم أقل فهمًا فى الأمور العاطفية، أو أقل اهتمامًا بها عن النساء.
ويشير الكتاب إلى أن الكتابات الحالية فى علم النفس الشعبى ترسم صورة تؤكد أن الرجال والنساء ليسوا فقط أناسًا مختلفين، بل نوعان مختلفان تمامًا من الكائنات. كما فى كتاب «أنت لا تفهم الأمر فحسب»، لعالمة اللغويات البريطانية ديبورا تانين، الذى يقرر اختلاف أنماط الرجال والنساء فى التواصل فى النوع لا فى الدرجة. تقول تانين: «تتحدث النساء ويسمعن لغة للتواصل والألفة، ويتحدث الرجال ويسمعون لغة للمكانة والاستقلالية»..
على الرغم من أن هذه المقولة مبنية على ملاحظات شخصية وغير رسمية.
وقد أسهم فى تأكيد هذا الرأى ووضعه فى مقام المسلّمات عالم النفس الشعبى الأمريكى «جون جراى»، وشبه الرجال والنساء مجازًا بمخلوقات من كوكبين مختلفين، من خلال سلسلة كتبه الرائجة شعبيًا «المريخ والزهرة»، وقد بدأها بكتاب «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة» (١٩٩٢)، «المريخ والزهرة فى غرفة النوم» (١٩٩٦)، وكتاب «المريخ والزهرة فى موعد» (١٩٩٩)، وكتاب «المريخ والزهرة فى العمل» (٢٠٠١)، وكتاب «أسباب اختلاف المريخ والزهرة» (٢٠٠٨)، وأيد الرأى المتطرف القائل إن لكل من الرجال والنساء أنماطًا مختلفة تمامًا فى التعبير عن احتياجاتهم، وهذه الأنماط من الاختلاف الشديد بحيث تسبب سوء فهم مستمر بين الرجال والنساء. ويزعم «جراى» من بين أشياء أخرى أن لغة النساء تبالغ فى الاهتمام بالألفة والتواصل فيما تركز لغة الرجال على الاستقلالية والتنافس، وعندما تغضب النساء يعبرن عن مشاعرهن، فى حين يلوذ الرجال إلى «كهوف الكتمان» عندما يشعرون بالضيق.
وقد وجدت هذه المقولات رواجًا عالميًا، حيث بيعت ٤٠ مليون نسخة من كتب «المريخ والزهرة» ﺑ٤٣ لغة. وقد صنفت صحيفة «يو إس إيه توداى» كتاب جراى الصادر عام ١٩٩٢ واحدًا من بين الكتب الخمسة والعشرين الأكثر تأثيرًا فى القرن العشرين. وطبقًا لأحد التقديرات جاءت كتب جراى فى المرتبة الثانية من حيث إقبال الناس على شرائها بعد الكتاب المقدس أثناء فترة التسعينيات من حيث إجمالى المبيعات.
ويؤكد الكتاب أنه رغم انتشار هذه المقولات، إلا أنه لا توجد أبحاث علمية تدعم هذه المقولات التى يصفها الكتاب بالمزاعم، وأن البحوث العلمية التى اهتمت بدراسة الاختلافات بين الجنسين فى طرق التواصل ركزت على أربعة تساؤلات أساسية: «١» هل تتحدث النساء أكثر من الرجال؟
«٢» هل تكشف النساء أشياء عن أنفسهن أكثر مما يفعل الرجال؟
«٣» هل يقاطع الرجال غيرهم أكثر من النساء؟
«٤» هل النساء أكثر ملاحظة للإيماءات غير المنطوقة من الرجال؟
وقد وجدت الأبحاث الدقيقة أن الفروق بين الرجل والمرأة فى هذه السمات فروق ضعيفة جدًا، وأن الاختلاف بين الجنسين فى الثرثرة ومقاطعة الآخرين والكشف عن النفس والقدرة على ملاحظة لغة الجسد هو اختلاف ضئيل للغاية ولا يكاد يكون ملحوظًا فى الحياة اليومية.
الحقيقة أن الرجال والنساء يتواصلون بأساليب بينها اختلاف ضئيل، وعدد قليل للغاية من تلك الاختلافات هو ما يكون كبيرًا بقدر كافٍ يعطيه أهمية ما. مع ذلك، وللأغراض العملية، تزيد درجة التشابه بين الرجال والنساء فى أنماط التواصل التى يتبعونها أكثر من درجة الاختلاف، وليس واضحًا إلى أى مدى تعود الاختلافات بينهم، إلى الاختلافات الفطرية بين الجنسين أم إلى اختلافات النوع فيما يتعلق بتفاوت القوة؟.
ويؤكد كتاب الأمريكى أنه على الرغم من كتب «جون جراى»، فالرجال ليسوا من المريخ والنساء لسن من الزهرة. إنما، قد يكون أكثر دقة أن نقول إن: «الرجال من داكوتا الشمالية، والنساء من داكوتا الجنوبية».
وللتوضيح بالمصرى يمكننا القول: الرجال من إمبابة والنساء من الشرابية.
وللحديث بقية..
صفاء النجار – جريدة الدستور