Site icon كوش نيوز

بداية النهاية.. وأول الغيث طوفان

يصدر كتاب (الطوفان: الحرب على فلسطين في غزة) في غمرة الأحداث الدامية التي تجتاح قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي أخذت طابع (حرب إبادة) لا وفق المفهوم الشائع وحسب، بل وفق التعريف الاصطلاحي في القانون الدولي، والذي بموجبه تم رفع قضية جرائم إبادة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي! وحرص الباحث تضمينه رؤيته الحيادية رغم دوافعه ومنطلقاته القيمية، إضافة إلى تناوله القضايا ذات الصلة من وجهة نظر فلسفية لاسيما الموقف الأخلاقي من الحرب ككل، والتي لا بد وأن تبرهن على التحليل الموضوعي لقضية فلسطين واستنتاجاته في كتابه السابق! حيث تزامن إصدار هذا الكتاب مع ترجمة كتابه الصادر منذ عامين (قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة)، والذي تحدث فيه عن تاريخ القضية الفلسطينية منذ بداية الاستيطان الصهيوني لأرض فلسطين عام 1948 حتى صفقة القرن عام 2020، غير أنه واجه إشكالية عدم تناوله أحداث الحرب الأخيرة، فارتأى إلحاقه بكتاب آخر ليستكمل معالجة القضية حتى الساعة. فيعرض الكتاب مادته في أربعة فصول، يتحدث الأول عن (عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة)، والثاني (قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة)، في حين يعرض الثالث (الحرب على غزة: السياسة والأخلاق والقانون الدولي)، وينتهي الرابع بـ (الحرب على غزة وأسئلة المرحلة).

يضع الكتاب الأكاديمي والسياسي والمفكر الفلسطيني (د. عزمي بشارة 1956)، النائب السابق في الكنيست «الإسرائيلي» وأبرز مؤسسي حزب (التجمع الوطني الديمقراطي)، والذي عُرف عنه – إلى جانب تمثيله للمواطنين الفلسطينيين – جرأته في طرح قضايا تمس قيم المواطنة والحرية والعدالة والقومية والديمقراطية، فضلاً عن تعرّضه للمجتمع وللدولة في «إسرائيل» بالبحث والنقد.

يبدأ الباحث بعرض خلفية موجزة عن قطاع غزة! حيث لا تفتأ «إسرائيل» منذ انسحابها من القطاع عام 2005 من تسويق دعاية إرهاب تُلحقها به كمنطلق لأي عمل مسلّح ضد «إسرائيل»، رغم تحكّمها في كل صادرة وواردة منه وبأهله البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، متضمناً الكثير من المواد التي قد يشتبه بها في بناء الأنفاق أو تصنيع القذائف والصواريخ، إضافة إلى قطع الكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم، مع استمرار القصف، وتفشي البطالة بين ثلثي القوة العاملة. أما عن الأنفاق، فقد أصبحت مصدراً رئيسياً للدخل الخاص بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي لا تستخدمها لصناعة المتفجرات وحسب، بل لتمرير عمليات الاستيراد والتصدير بين القطاع ومصر. ومع أن الحركة لم يتم الاعتراف بها دولياً إلا كمقاومة مسلحة «لكن مقاومتها ذاتها وبسبب إدارتها سلطة على أكثر من مليوني فلسطيني، راحت بالتدريج تأخذ شكل قوات نظامية، وأصبحت اشتباكاتها مع إسرائيل أكثر شبهاً بالحروب منها بعمليات المقاومة المسلحة».

وفي الحديث عن عملية طوفان الأقصى التي استعادت بها «إسرائيل» دور الضحية، وألحقت بحركة حماس وصم (داعش غزة) وكامتداد للنازية، ومع تحيّز إعلام الديمقراطيات الغربية لإسرائيل كدولة لها حق الدفاع عن نفسها، يتقدمها الرئيس الأمريكي لا سيما في إصراره على عمليات قطع الرؤوس وحرق الأطفال واغتصاب النساء وغيرها من مزاعم كاذبة ألحقت بحركة حماس، يرى الباحث أن الحركة حققت أحد أهدافها في مواجهة تهميش القضية الفلسطينية، وعمليات تطبيع العلاقات الأخيرة بين «إسرائيل» وبعض الدول العربية. أما عن الحرب «الإسرائيلية» ودوافعها، فقد تقدمها شعور غامر بالصدمة والخوف الوجودي، وكأن شمس الثامن من أكتوبر لم تشرق بعد على «إسرائيل» حتى تقتص من كل الفلسطينيين، عملاً بالموعظة التوراتية «لكي يروا فيخافوا». وعلى الرغم من تفاوت عدد قتلى وجرحى المدنيين الفلسطينيين منذ بداية الحرب مقابل الجنود الإسرائيليين، كخسائر بشرية لا تكاد تُذكر ضمن الخسائر «الإسرائيلية»، فإن الباحث يتطرق إلى خسائر اقتصادية ضخمة تكبدتها «إسرائيل»، جرّاء تردي مستوى النمو وتراجع الاستثمارات وتوقف السياحة! ورغم مساعدات الإدارة الأمريكية السخية في بيع ذخيرة الدبابات لـ»إسرائيل» بمنأى عن موافقة الكونغرس، فقد خلقت «تعب عالمي مضمر من هذه المعاملة الخاصة التي تحظى بها، وقد تنشأ فرص لإظهار هذا التعب مستقبلاً، كما هو واضح من الاستطلاعات المشيرة إلى أن الجيل الجديد في الغرب أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين». يستنتج الباحث من هذا الدعم اللامشروط لإسرائيل رغم خسائرها، جوانب لا يعتقد بإمكانية تعويضها، تتمثل في: العجز «الإسرائيلي» لخوض حرب طويلة الأمد من غير الدعم الأمريكي. العجز الإسرائيلي في استدامة الاحتلال القائم على نظام الفصل العنصري دون ارتكاب جرائم ضد الإنسانية كالإبادة الجماعية. الاصطدام بين النظام العلماني القائم في «إسرائيل» وبين التحالف الصهيوني اليميني-الديني. الضرر الملحق بـ»إسرائيل» دولياً جرّاء ما ترتكبه من مجازر، والمتمثل في تصعيد حركات التضامن في عواصم العالم لا سيما من خلال المظاهرات الطلابية وفئة الشباب.

والكتاب رغم قصره فجوهري في تناول معركة الطوفان، ولعل الكتاب القادم للباحث يتوّج مجموعته كثلاثية في النصر المبين لفلسطين.

مها الغيث – الشرق القطرية

Exit mobile version