بدون «كلام ساكت» فى مسألة مصر والصومال
قد لا يعلم كثير من الناس، لا سيما من شباب جيل زد «Z» وعالم الإنترنت، أن مصر قدمت أول شهيد لها فى تاريخ حركتها الدبلوماسية على تراب الصومال الوطنى. ففى عام ١٩٥٧ اغتالت يد الغدر الشهيد كمال الدين صلاح وهو صائم فى أحد شوارع مقديشو، نتيجة دفاعه عن هوية الصومال. وعندما جاء وفد الصومال لتقديم العزاء للرئيس عبدالناصر قال لهم: «إن لدينا ٢٧ مليون كمال الدين صلاح، وهم مستعدون للشهادة من أجل حرية الصومال». هذا هو تاريخ مصر فى دعم أشقائها العرب والأفارقة. لن أتحدث فى المقابل عن تاريخ الضم والغزوات الحربية التى عانى منها الصومال من أقرب جيرانه.
وقد أثارت المساعدات والاتفاقات العسكرية التى نفذتها مصر مع حكومة الصومال المنتخبة كثيرًا من التعليقات التى أعتبرها كما يقول أهلنا فى السودان «كلام ساكت»، أى هو والعدم سواء، وهنا أوضح أمرين:
أولًا: إن المساعدات العسكرية المصرية للصومال تأتى فى إطار اتفاق رسمى بين البلدين، وفى سياق أوسع لمعاهدة الدفاع العربى المشترك، حيث يعانى الصومال من تبعات صعود حركة «الشباب» الإرهابية التى لم تفلح الجهود الأممية فى القضاء عليها. وبالمناسبة يوجد فى مقديشو معسكر تركصوم الذى افتتح رسميًا عام ٢٠١٧، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية وكلية حربية تمثل أكبر قاعدة عسكرية تركية فى الخارج. ورغم ذلك لم يتحدث أحد رغم أن تركيا ليست دولة عربية، ولا تدافع عن الأمن القومى العربى. أضف إلى ذلك فقد تم توقيع بروتوكول دفاعى آخر مع تركيا أواخر فبراير ٢٠٢٢، يتضمن دعم الأصول البحرية للصومال، و«ردع» جهود إثيوبيا لتأمين الوصول إلى البحر عن طريق صوماليلاند.
ثانيًا: إن مصر بمقتضى قرار الاتحاد الإفريقى سوف تشارك فى بعثة الاتحاد الإفريقى الثالثة لدعم السلام فى الصومال التى تبدأ ولايتها فى يناير ٢٠٢٥. لقد أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقى فى بيان بتاريخ ٧ أغسطس ٢٠٢٤، بعد الانتهاء من دورته ١٢٢٥ بشأن النظر فى مفهوم العمليات لبعثة الاتحاد الإفريقى فى الصومال، بعد انتهاء مهمة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقى «أتميس»، عن الموافقة على اقتراح مصر بإرسال جيشها كجزء من بعثة دعم الاتحاد الإفريقى فى الصومال، التى من المقرر أن تحل محل بعثة الاتحاد الإفريقى الحالية فى الصومال «أتميس» بحلول يناير ٢٠٢٥.
لقد كانت مصر دومًا منذ الحقبة الناصرية قوة سلام وتوحيد فى كل أنحاء إفريقيا. وهى اليوم تدافع عن مصالحها بانتهاج سياسة التحوط الاستراتيجى، لا سيما فيما يتعلق بمياه النيل بعد التعنت الإثيوبى واكتمال بناء سد النهضة دون التوصل لاتفاق ملزم، وبما يتناقض حتى مع اتفاق إعلان المبادئ عام ٢٠١٥. وفى هذه المرحلة ينبغى أن يقف الجميع خلف القيادة السياسية للدفاع عن مصالحنا الوطنية التى تمس أمن وبقاء الأمة المصرية. إن قضايا المياه لها جوانب متعددة فنية وهندسية، وأخرى سياسية ودبلوماسية، إضافة إلى الجوانب القانونية والدولية. فهل نتخلص من عقلية الفيلسوف «فهلاو» أو أبوالعريف الذى يفتى فى كل شىء كما يقولون فى العامية المصرية فى المسألة الصومالية كى نفهم!
تاريخيًا يشمل «الصومال الكبير» جيبوتى ومنطقة الحدود الشمالية لكينيا وكل إقليم أوجادين على حدود إثيوبيا مع الصومال. ومع ذلك فقد أدى تقسيم الأمة الصومالية ذات الخصائص الاستثنائية من حيث وحدة الدم والمصير إلى خمس إدارات استعمارية مختلفة- مستعمرة الصومال الإيطالية، وصوماليلاند البريطانية، والصومال الكينية «تحت الإدارة البريطانية»، والصومال الفرنسية «العفر والعيسى وهى جيبوتى حاليًا»، وإقليم الصومال الإثيوبى «منطقة أوجادين تحت الحكم الإثيوبى»- إلى خلق مشاعر العزلة والانفصال بين الصوماليين. فى عام ١٩٦٠، تم توحيد كل من الصومال الإيطالية وصوماليلاند البريطانية نتيجة لإصرار شعبى ورغبة جارفة فى تحقيق الوحدة، لا سيما من جانب أبناء الشمال الذين ضحوا باستقلالهم بعد نحو خمسة أيام فقط مقابل تحقيق وحدة الصومال الكبير. وعليه ظهرت جمهورية الصومال التى اتخذت لعلمها الوطنى شعار نجمة خماسية تمثل كل جزء من الأمة الصومالية الكبرى. تتكون أوجادين، المعروفة أيضًا باسم الصومال الغربى، من منطقتين منفصلتين فى شرق إثيوبيا. يضم الجنوب الشرقى أوجادين نفسها. الغالبية العظمى من الناس هنا هم صوماليون من عشيرة أوجادين، وهى مجموعة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بعشيرة دارود. المنطقة الشمالية الشرقية، المعروفة باسم هود، هى منطقة رعى موسمية رئيسية للصوماليين من عشيرتى دير ودارود. كانت جيبوتى موجودة فى الأصل كمستعمرة فرنسية لإقليم ما وراء البحار للعفار والعيسى، بينما كانت ولا تزال منطقة الحدود الشمالية جزءًا من كينيا.
وقد مثل الصومال، وعلى عكس جيرانه فى القرن الإفريقى أو الفضاء الإفريقى الأوسع، استثنائية قومية بسبب جملة من الخصائص التى يتسم بها الصومال.
أولًا، وقبل كل شىء، الصومال استثنائى فى إفريقيا، لأن كل أو جل من يعيش على التراب الصومالى تقريبًا هم من أصل صومالى، ويشتركون فى ثقافة ولغة وتاريخ وبنية اجتماعية مشتركة.
ثانيًا: إن البنية العشائرية خلقت اعتقادًا فى أصل مشترك كأساس للتضامن الوطنى.
ثالثًا: كان دور الإسلام مهمًا فى تعزيز التضامن الوطنى الصومالى. لقد دخل الإسلام من بوابة مدينة زيلع، وهى مدينة ساحلية فى شمال الصومال، فى الطريق إلى الحبشة، وذلك قبل وصوله إلى المدينة.
إن مصر التى احتضنت من قبل الحاج محمد حسين، رئيس حزب «الليجا»، أى الرابطة الصومالية، المطالب باستقلال الصومال، لن تتأخر عن مساعدة الرئيس حسن شيخ محمود الذى يطالب بتحرير بلاده من تطرف شباب المجاهدين، وأطماع دول الجوار التى ابتلعت جزءًا من أراضيه. ولنعد لذاكرة التاريخ. ما لكم كيف تحكمون؟
حمدي عبدالرحمن حسن – جريدة الدستور