آراء

مفهوم الكرامة وتقدير الذات

الكرامة هي إحدى المنح الإلهية العظيمة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى وكرم بها بني آدم، منحها لعباده كهدية ثمينة تجسد المعنى المتكامل للإنسانية، الكرامة فطرة وطبيعة تجبر من تحلى بها على احترامه لذاته، ومن ثم تقديره لها، مما ينعكس بالتبعية على وعي وتقدير من يتعامل معه لوضعه الذي أعده لنفسه وحافظ عليه بكل ما أوتي من قوة.

هناك أناس ومهما أرغمتهم ظروف حياتهم على التفريط فيها، أو في جزء منها لا يستجيبون أبدًا، فهؤلاء المعتزون بامتلاكهم إياها، تراهم دومًا حريصين عليها متمسكين بها، يتشبثون بها مطبقين لمفهومها ومعانيها.

ترتفع هاماتهم فخرًا بها دون تكبر أو تعال، فهناك خيط رفيع للغاية يربط بينهما، تبقى مبادئهم قوية وثابتة حين يمس أي أمر من الأمور كرامتهم بشيء.

الحياة قد تضطر البعض إلى اتخاذ مواقف تحتاج إلى قليل من التنازل عن ترفعه، لكنها لا ولم تكن أبدًا لترغمه على الخضوع لأحد للتنازل عن كرامته، مهما كان مسمى الحاجة أو المصلحة، فالكرامة هي أغلى ما يملكه الإنسان، الكرامة هي كنزه الثمين ومتاعه، عنوانه، سيرته ومسيرته، ولهذا يجب ألا يتهاون في حق ذاته وتقديره لها، فالقليل الذي سيتنازل عنه اليوم سيصبح كثيرًا غدًا.

جالت بخاطري الآن تلك الجملة التي طالما نطق بها ورددها الفنان الراحل “عبد السلام النابلسي” في فيلم يحمل عنوان “القلب له أحكام” جملة رددها كثيرًا لدرجة أثارت سخطنا فسئمنا منه ومنها، فهو لم يكن يعنيها أو يقصدها، بل كان يعمل بعكس مدلولها على طول الخط قائلًا -إلا الكرامة- برغم أنه كان شخصًا انتهازيًا وصوليًا إلى أقصى حد، فهو يتصرف كشخص أنكر على نفسه الإحساس بأهمية الكرامة؛ فقد ظل ملتصقًا بالدكتور أو الكابتن حمدي تلك الشخصية التي جسد دورها الفنان الراحل “أحمد رمزي”، كان ملازمًا له مدعيًا صداقته، باحثًا عنده عن أي وسيلة تمكنه من تحقيق أطماعه ومصالحه.

خطط للأمر جيدًا، ونجح في هذا حينما وجد ضالته في شخصية هذا الإنسان الثري؛ وبنفس مفهوم النظرية “الميكيافيلية” التي تأثر بها وراح يطبقها بكل حذافيرها، فعل هذا كي يصل إلى هدفه، فقد كان يدعي كذبًا ورياءً صداقته له، يبحث عن غايته التي ستبرر له الوسيلة التي امتلكته ووجهته لطريق سهل كي يحصل على المال الوفير، الذي كان يسعى دائمًا للحصول عليه، تخلى عن كرامته ونصب شباكه على الشخص الذي كان أول الخيط معه.

الموضوع ليس استعراضًا لسيناريو الفيلم أو قصته، بقدر البحث عن الاستفادة من هذا الدرس الذي تعلمناه منه، تعرفنا مبكرًا على معنى الصداقة الحقة التي لا تبنى على استغلال وابتزاز وسوء نية، فأشباه هذا الرجل ما زالوا موجودين بيننا، فهم حقيقيون، بارعون في فنون البحث عن أناس يسهل خداعهم، يبحثون عن شخصيات تمتلك قلوبًا رقيقة وأرواحًا طاهرة، تصدق ما يقال لها وتعطي بسخاء مبالغ فيه دون تحرٍ عن السبب، يمارسون التودد المصطنع من أجل تحقيق -غاياتهم- ومصالحهم.

وما إن يقع الصيد الثمين بين أيديهم، حتى تتوالى عليه محاولاتهم المستميتة لابتزازه نفسيًا وعاطفيًا، يقومون باستغلاله دون رحمة منهم أو شفقة، ويزداد الأمر سوءًا حين يستحلون إيذاءه، إيذاء من وقف إلى جوارهم بدلًا من أن يمتنون له ويشكرونه على حسن صنيعه لهم، إن هذه النوعية من البشر تتعامل مع الغير على أنهم مجرد آلات أو وسائل خلقت فقط كي تلبي رغباتهم.

وفاء أنور – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى