هل أنت محتال؟!
عانيتُ مِرارًا مِن أعراضِ «مُتلازمةِ المُحتالِ»، التي استولَتْ على مشَاعِرِي، وأضرمَتْ فِي انفعالاتِي نيرانَ المُبالغةِ والشَّكِّ والتردُّدِ والقلَقِ، وحتَّى ضعفِ الثِّقةِ بالنَّفسِ. والمُضحِكُ في الأمرِ، أنَّني حقًّا لا أعلمُ سببَ ارتباطِ هذهِ المُتلازِمةِ، بالاحتيالِ والخِداعِ!.
تُوصَفُ هذهِ المُتلازمةُ بأنَّها ظاهرةٌ نفسيَّةٌ، يشكُّ بِموجِبِهَا أفرادٌ ناجِحُونَ أو موهوبُونَ أو مُبدِعُونَ بالفِعلِ، وبِشهادةِ غيرِهِم وإثباتِ نتَائجَ وعلاماتٍ واضِحةٍ علَى كفاءتِهِم الجديرةِ بالتَّقديرِ، يشكُّونَ في قُدْراتِهِم الشَّخصيَّةِ، ويُعانُونَ مِن ضعفِ الثِّقةِ في الذَّاتِ، والتَّقليلِ مِن الإنجازاتِ الشَّخصيَّةِ، إضافةً إلى القلقِ غيرِ المنطقيِّ بأنَّهُم غيرُ جَديرِينَ باستحقاقاتِهِم المُتميِّزةِ.
يُعانِي أشخاصُ «مُتلازِمةِ المُحتالِ» مِن فرْطِ القلَقِ المُرتبطِ بالعملِ، ويَميلُونَ إلى تحرِّي الدِّقَّةِ الصَّارمِةِ فيهِ، وكأنَّ أحدًا يُراقبهُم ويُحصِي عليهِم زلَّاتِهِم، كمَا يُكابِدُونَ «عُقدةَ الاستِكمالِ» والخوفَ مِن الفَشلِ، ثُمَّ في النِّهايةِ يستهِينُونَ بإنجازاتِهِم. إنَّ تلكَ المُتلازِمَةَ تَنتجُ عَن الحاجةِ المُستمرَّةِ إلى التَّعويضِ المُفرِطِ عَن مَشاعرِ التَّقصيرِ وقِلَّةِ الكَفاءةِ غيرِ المُبرَّرةِ إطلاقًا.
يتوقُ مُعظمُ النَّاسِ إلى إظهارِ أفضلِ مَا فِيهِم، وإنتاجِ أحسنِ أعمالِهِم، لكنَّ «مُتلازمةَ المُحتالِ» ترتبطُ بارتفاعِ خطرِ الإصابةِ بالإرهاقِ والاحتراقِ الوظيفيِّ والدّراسيِّ، والمُعاناةِ مِن الضِّيقِ النَّفسيِّ والتوتُّرِ والإحباطِ والاكتئابِ، وفي بعضِ الأحيانِ، الشُّعورِ باستِحالَةِ النَّجاحِ والتميُّزِ، ومِن ثَمَّ بذلِ جهدٍ أقل، والميلِ لتأجيلِ العَملِ وقلَّةِ الاهتمامِ بجوْدتِهِ، والتخلِّي عن التَّنافُسِ وإثباتِ الذَّاتِ.كما يُمكنُ أنْ تؤثِّرَ «مُتلازمةُ المُحتالِ» بِصورةٍ سَلبيَّةٍ على حَماسَةِ الشَّخصِ لِطرحِ الأسئلةِ، والتحدُّثِ في البيئاتِ الأكاديميَّةِ والمِهْنيَّةِ؛ خوفًا مِن الحُكمِ عليهِ، وقد تؤثِّرُ مَشاعرُ انخفاضِ احترامِ الذَّاتِ أو عَدمِ الكفايةِ، على العَلاقاتِ الشَّخصيَّةِ والحميميَّة للشَّخصِ الذي لديهِ أعراضُ هذهِ المُتلازِمةِ بِصورةٍ شديدةٍ ومُستَحكِمَةٍ.
يُمكنُ التخفيفُ ممَّا سبقَ بِمُحاوَلاتِ تُجاوزِ ذاتِكَ، وتقبُّلِ حقيقتَيْ أنَّ الكمَالَ مُستحيلٌ، وسواءً نجحتَ أو فشلتَ، فالأمرَانِ للعالَمِ سِيَّانٌ!.. فكُنْ علَى سجيَّتِكَ، وتأكَّد أنَّكَ أكثرُ موهبَةً وإبداعًا مِن كثيرِينَ حولَكَ، وارفِق بِنفسِكَ، ولا تَغرَقْ في التَّشكيكِ في قُدْراتِكَ، فهي ليستْ كافيةً فحسْب، بلْ أكثرُ مِن الكِفايةِ.. واعترِفْ معَي بالواقِعِ، فلا أحدَ مِنهُم حقًّا يكترِثُ.. إنَّهُم غارقُونَ في ذواتِهِم، مأخوذُونَ بِمَشاعرِهِم، تلتَهِمُهُم مُشكلاتُهُم الشَّخصيَّةُ، أو يأكُلُهُم فُضولُهُم، لَا أكثرَ!.. لَا أحدَ مِنهُم -واقِعيًّا- مُتفرِّغٌ لتتبُّعِ هفَواتِكَ وأخطائِكَ، أو حتَّى نَجاحاتِكَ.. لا أحدَ -حقيقةً- يَهتمُّ.. فارحَمْ نَفسَكَ!.
د. ايمن بدر كريم – جريدة المدينة