آراء

أمريكا جزء من المشكلة

ومرة أخرى يتفجر السؤال المر: هل الولايات المتحدة جزء من المشكلة أم الحل لأزمات الشرق الأوسط؟، وبالرغم من أن التجارب المريرة خلال العقود الماضية تؤكد أنها بلاشك جزء كبير من مشكلات الشرق الأوسط؛ سواء بغزو العراق أو دعم وتبني إنشاء الجماعات المتطرفة والإرهابية؛ مثل القاعدة وداعش أو الحركات المتمردة؛ مثل قوات الدعم السريع في السودان وقسد السورية والمنظمات الكردية، فضلا عن سياسات الفوضى الخلاقة، ومشروع الشرق الأوسط الكبير.

وبالطبع قضية القضايا الخاصة بالصراع مع إسرائيل، ومسالة حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة.

ووسط هذا كله يستعد الحزب الديمقراطي في مؤتمره بمدينة شيكاجو لتبني الدعوة لقيام دولة فلسطينية، ومرة أخرى يتفجر الجدل بين من يجد أن الولايات المتحدة ترغب بالتوصل لحل الدولتين ومن يرى نقيض ذلك، وواقع الأمر إن الحديث عن دولة فلسطينية، أو حل الدولتين بدأ بشكل خاص منذ اتفاقية أوسلو، التي نصت على ما هو أكبر من كيان وأقل من دولة، لكنها نصت أيضًا على خطوات انتقالية “الكل يعلم أن هذا المسار الذي كانت الولايات المتحدة تشرف عليه، لم يصل إلى نتيجة؛ لأن الولايات المتحدة كانت منحازة لإسرائيل.

ومؤخرًا أعاد “الفيتو الأمريكي”، الرافض لتمرير مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي والذي يوصي الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، أعاد مسألة جدية واشنطن في دعم حل الدولتين إلى الواجهة.

ومشروع القرار الذي أفشلته إدارة بايدن في أبريل الماضي، وافقت عليه الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والبالغ عددهم 15 دولة، بما في ذلك دول حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان، إذ صوتت 12 دولة بالموافقة، فيما امتنعت كل من المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت.

لدى الولايات المتحدة مبرراتها في رفض تمرير القرار، إذ قال نائب السفير الأمريكي روبرت وود: “إن الفيتو الأمريكي لا يعكس معارضةً للدولة الفلسطينية، لكنه اعتراف بأنه لا يمكن أن تنشأ دولة فلسطينية إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الجانبين (الفلسطينيين وإسرائيل)”.

ومن الغريب أن إدارات الرؤساء من الحزب الديمقراطي هم الأكثر صخبًا في الحديث عن عملية السلام، ومنذ بدء حرب غزة في السابع من أكتوبر الماضي، تحدث مسئولون في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مرارًا عن ضرورة المضي قدمًا في حل الدولتين كسبيل للوصول إلى السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

وتبرر واشنطن، الحليف الأبرز لإسرائيل، على لسان مسئوليها عدم موافقتها على عضوية كاملة للدولة الفلسطينية دون موافقة إسرائيل، بأن ذلك يجب أن يحدث “من خلال الدبلوماسية وليس من خلال الفرض”، ويحرص وزير خارجيتها أنتوني بلينكن دوما على تذكير مستمعيه “نحن مستمرون في دعم الدولة الفلسطينية بضمان أمن إسرائيل”، وأنه بموجب القوانين الأمريكية فإن أي اعتراف من قبل الأمم المتحدة بعضوية كاملة لفلسطين يعني “قطع كل إمداداتنا لمؤسسات الأمم المتحدة وهذا سيضر حتى بالفلسطينيين”.

وكانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو 1948، ورغم مرور أكثر من 75 عامًا على إعلان إسرائيل قيام الدولة، فإن حدودها لم تُحدد بالكامل بعد، ومنذ ذلك الحين قاومت الولايات المتحدة باستمرار أن تصبح “فلسطين عضوًا كامل العضوية دون أن يكون هيكل الدولة واضحًا، وبموافقة إسرائيل”.

ويبقى أن هذه السياسة الأمريكية العدوانية تجاه فلسطين وشعبها وحقوقها المشروعة تمثل عدوانًا صارخًا على القانون الدولي، وتشجّع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وتزيد في دفع المنطقة إلى شفا الهاوية، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين ومواصلة سياسات العدوان وجرائم الحرب التي تتم برعاية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية.

وإذا كانت المشكلة الآن هي وقف الحرب في غزة وعدم تفجر حرب إقليمية، فإن هناك العديد من المشاكل في وجه السلام، فهناك مشكلة الاستيطان، والجدار العازل الذي أنشأته إسرائيل في الضفة الغربية، وعدم وحدة الصف الفلسطيني، وبالطبع سيبقى هناك مشاكل الحدود والاستيطان وتحديد حدود الدولة الفلسطينية، ولكن هذه هي العقد التي تتخذها الولايات المتحدة كنوع من التبرير لموقفها المنحاز لإسرائيل.

وفي المقابل تصر واشنطن على وجود مشكلة بالبيئة السياسية للفلسطينيين، التي تريد أن يكون من ينتقل نحو الدولة مسيطرًا على الأرض، وممارسًا للسلطة بشكل فعلي. وكل من حماس ونتنياهو يرفضان السلطة الفلسطينية، ولا قيام الدولة المستقلة للفلسطينيين.

وعلى الطريق نحو السلام قتل السادات واسحق رابين وياسر عرفات ومئات الآلاف من الفلسطينيين، وتزداد البيئة السياسية الإسرائيلية تطرفا وهمجية.

.. وإذا كان واضحًا أن حلم السلام قد مات، فلا يتبقى إلا انتظار تفجر موجات من الهجرة والإرهاب وأزمات لا حصر لها، والأخطر “حروب لا نهاية لها”، وليس حروب خاطفة مثلما اعتادت إسرائيل.

وأحسب أن شعوب المنطقة وقادتها باتت تدرك أن واشنطن جزء من المشكلة لا الحل، وأصبحت تبتعد عن الغرب وتتطلع صوب الشرق.

محمد صابرين – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى