الآثار النفسية لغياب الزوج
في ظل الضغوط الاقتصادية التي ضربت العالم كله في مشارق الأرض ومغاربها، اضطر كثير من الأزواج إلى السفر خارج البلاد، وزادت معدلات سفر الأزواج لتحسين الحالة الاقتصادية.
وثبت أن سفر الأزواج يؤثر على الحالة النفسية للزوجة والأبناء معًا، ويزيد من التوتر والقلق، ويضاعف مساحة الحاجز النفسي بينهم، وتفقد الزوجة الأمان والدفء العاطفي، وتمر السنين وهي تبحث عن السعادة ولكنها لم تجدها.
ففي بداية الزواج كثير من الأزواج يرفضون فكرة السفر، ولكن مع زيادة أعباء المعيشة، وطبيعة الحياة، واحتياجات الأبناء تزيد الفجوة بينهما؛ لانشغال الزوج، والزوجة غالبًا، بالسعي وراء لقمة العيش، ويعتاد الزوج على الفقد، والزوجة على البعد.
وتتحمل الزوجة أدوار ومسئوليات الزوج، وتقوم بدور الأب والأم معًا؛ فالمرأة هي رمانة الميزان داخل الأسرة، ولو اهتزت نفسيًا انعكس ذلك على أبنائها وحياتها.
ويصبح الأب هو المصدر المادي فقط، بدلًا من أن يكون مصدر الأمن والأمان والدفء العاطفي لأسرته، فتعتاد الزوجة والأبناء على عدم وجوده في قراراتهم الحياتية.
وفي حالة سفر الزوج هناك عوامل يمكن أن تزيد أو تقلل من الآثار السلبية لسفره؛ منها شخصية الزوجة في قدرتها على إدارة حياتها بدون زوجها، وكذلك المرأة التي تعيش بين أهلها؛ الذين يدعمونها ويساعدونها وقت غياب الزوج.
ولكن عليك أيتها المرأة التي سافر زوجها، تقبل فكرة عدم وجود الزوج؛ حتى لا تشعرين بالاغتراب والغربة والرفض الداخلي؛ وحتى لا ينعكس ذلك عليك بعدم التوازن النفسي، وتصرفي بإيجابية حتى تتخطي الضغط النفسي.
وعليك وضع قوانين وقواعد في التربية مع الأب، ومشاركته في القرارات المصيرية للأبناء، وأن تبرزي شخصية الأب -في حالة عدم وجوده- من سن الطفولة؛ وذلك بنشر صور الأب في مختلف أركان البيت؛ لترسيخ صورته في ذهن الأطفال؛ حيث إنه يتشكل الوعي في الطفولة؛ لأن الأطفال تحفظ الوجوه.
وعلى الأم أن تحرص على ربط الأبناء بأبيهم وتقديرهم لدوره، وأهميته في حياة الأسرة، وعدم التحدث عن الأب إلا بشكل إيجابي؛ وكذلك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في رؤية الأب لأطفاله، والتواصل معه بشكل مستمر؛ ليكون هناك ترابط بين الأب وأطفاله.
أما الأسر التي يغيب عنها الأب طوال اليوم، فيمكن أن نطلق عليه “الأب الحاضر الغائب”؛ الذي يعمل في أكثر من مكان؛ لتحسين المستوى الاقتصادي للأسرة، على الرغم من أن الأب هو مايسترو الأسرة، ولا يستطيع أحد أن يحل محله، فإذا كانت الزوجة هي جدران البيت، فإن الأب هو أعمدته، ومهما كانت الظروف لابد من وجود الأب جسدًا وروحًا؛ ولذا يمكننا أن نقول: “لا للأب الحاضر الغائب”.
ولذا أصبح مصطلح “تأنيث الأسرة العربية” ينتشر في الوطن العربي؛ لأن الزوجة أصبحت تقوم بدور الأب والأم معًا، والذي انعكس عليها بالضغوط النفسية، وافتقارها للحنان والعطف والسكينة، وقال الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً”.
سيدي القارئ:
كلنا يبحث عن الاستقرار الأسري والمودة والرحمة، وتلك الأشياء لا يمكن أن نجدها إلا بلم شمل الأسرة؛ فنحن لا نضحي بالسكن النفسي والاستقرار العائلي إلا عند الحاجة الملحة والضرورة القصوى، فالضرورات تبيح المحظورات!!
وأهمس في أذن كل أب، وكل أم: “لابد من وجودكما معًا في البيت بشكل فاعل في حياة أبنائكما، ولابد من تخصيص جزء من اليوم للأبناء؛ لمناقشة أمورهم، والاستماع إليهم”.
وختامًا، أوجه هذه الكلمة إلى كل أب: “نعم لا غنى للأسرة عن المال، ولكن الحب والمتابعة وتربية الأبناء والاهتمام بالزوجة لا يقل أهمية عن المال إن لم يكن أكثر أهمية؛ ذلك حتى لا نندم وقت لا يفيد الندم”.
د. أمل عبدالستار – استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة
بوابة الأهرام