العالم المشلول في غزة
ليس الأمر في حاجة إلى جهد لإثبات أن غزة، بكل ما جرى ويجري فيها، تمثل دليلاً ساطعاً على فشل النظام الدولي بجميع مؤسساته التي فشلت حتى الساعة في توفير الحماية الواجبة للفلسطينيين في القطاع منذ بدأت حرب إبادة سكانه الذين سيقوا إليها وتُركوا وحدهم يعانون ويلاتها التي لا تستثني منهم فئة.
ومن المعلوم، بالمشاهدات والإحصاءات، أن ضعاف غزة، من المرضى والعجزة والأطفال والنساء، هم غالب وقود الحرب الدائرة فيها التي تدرجت في التهام الغذاء والدواء، ناهيك عن الإحساس بالأمان والأمل، فقتل الجوع من استطاع وتربص المرض بآلاف آخرين حُرموا من بلوغ المستشفيات أو وجدوها أطلالاً بفعل الاستهداف المتعمد لها.
وبديهي في أجواء النزوح اللاهث والتشرد المتعاقب أن تتفاقم الأمراض وتتعدد، وأن يعاود الظهور ما اختفى منها في سنوات ما قبل الحرب. ومن أسف أن البداية عند الصغار، فالتحذيرات من تفشي شلل الأطفال أصبحت واقعاً جديداً مؤسفاً بالإعلان عن أول إصابة لطفل في مدينة دير البلح.
وليس في الأمر ما يفاجئ، فكل السبل في غزة تؤدي إلى المرض والهلاك، وفيروس شلل الأطفال تحديداً، أطل برأسه منذ يوليو/تموز الماضي، ولم يتحرك أحد إلا الجيش الإسرائيلي، لا بوقف الحرب وإنما بحملة تطعيم واسعة لقواته التي تحتل القطاع بعد اكتشاف عينات من الفيروس المسبب للمرض. ولم يملك النازحون وقتها إلا التخوف من إصابة أبنائهم بالفيروس الذي اكتُشف في مياه الصرف الصحي المنتشرة في شوارع ومناطق القطاع المدمر ويهدد بكارثة صحية كبرى.وسواء وصلت أو لم تصل مليون جرعة تلقيح ضد المرض وعدت منظمة الصحة العالمية بإرسالها إلى القطاع، فإن النتيجة الطبيعية بدأت في الإفصاح عن نفسها. وسيتحقق، للأسف، ما حذر منه المدير العام للمنظمة، قبل ظهور أول إصابة بشلل الأطفال، من أن الأمر مسألة وقت قبل أن يفتك المرض بآلاف الأطفال.
وبالإضافة إلى شلل الأطفال الذ ي ضرب القطاع لأول مرة منذ نصف قرن، أعلنت الأمم المتحدة زيادة كبيرة في حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي (أ) والدوسنتاريا والتهاب المعدة والأمعاء مع تدهور الظروف الصحية في غزة بسبب تسرب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع القريبة من مخيمات للنازحين.
ويضاف إلى دلائل العجز الدولي في غزة، تجاهل طلب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أخيراً، من طرفي الصراع في غزة تقديم ضمانات ملموسة لإعلان فترات توقف إنسانية لإطلاق النار من أجل إجراء حملة تطعيم ضد شلل الأطفال. وكذلك، لم يعبأ أحد بطلب منظمة الصحة العالمية و«اليونيسيف» تنظيم حملتي تطعيم ضد المرض في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول.
ذلك كله لا ينفصل عن تعثر جهود وقف إطلاق النار في غزة وإحدى نتائج استمرار الحرب وضياع الوقت في مفاوضات لم تفضِ إلى شيء، وأهم غاياتها المنتظرة البدء بلملمة جراح غزة، وهو أمر قيل إنه يستغرق عقوداً.
وليد عثمان – صحيفة الخليج