ما الذى يمنع الوصول لهدنة غزة؟
ما هى العوائق والعراقيل التى تمنع التوصل لاتفاق يوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة.؟
منذ بدء العدوان فى ٧ أكتوبر الماضى شهدنا مئات الاجتماعات واللقاءات والاتصالات والمفاوضات على كافة المستويات من أول الخبراء الفنيين نهاية برؤساء وقادة الدول والحكومات. وباستثناء الهدنة الأولى التى تم توقيعها فى 24 نوفمبر الماضى وأوقفت العدوان لمدة أسبوع وأتاحت إطلاق سراح بعض الرهائن، فقد تعثرت كل المفاوضات والسبب الجوهرى هو التعنت الإسرائيلى الذى يريد إما استسلام المقاومة، وإما استمرار العدوان لتحويل القطاع لمكان غير صالح للحياة.
ونعلم جميعا أنه فى كل مرة كانت حماس تقبل الشروط المطروحة تقوم إسرائيل بوضع شروط جديدة، وأبرز مثال على ذلك، فى مايو الماضى حينما قبلت حماس وإسرائيل الصيغة التى طرحتها مصر وقطر والولايات المتحدة، لكن نتنياهو هرب بصورة مخزية وقام باحتلال محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
الآن نسأل: ما الذى يمنع الوصول لاتفاق؟.
الإجابة أن هناك مجموعة من الخلافات الجوهرية تتمثل فى الآتى: أولا: تصر إسرائيل على عدم وجود أى بند ينص على انسحابها الكامل من قطاع غزة خلال أو بعد الاتفاق. هى تعتبر ذلك مكافأة لحماس. نتنياهو يصر على موافقة أمريكية مكتوبة تنص على حق إسرائيل فى استئناف القتال بعد الإفراج عن الأسرى. وحماس ترفض ذلك وتريد ضمانات من مصر وقطر وأمريكا وروسيا وتركيا بعدم عودة إسرائيل للعدوان مرة أخرى. والبديهى أن حماس تصر على ذلك، لأنه ما الذى يجبرها على الإفراج عن الأسرى أهم ورقة لديها مادامت إسرائيل ستعود لاستئناف العدوان مرة أخرى؟!
ثانيا: تريد إسرائيل أن تفتش كل فلسطينى يعود إلى شمال القطاع حتى تضمن عدم دخول مقاتلين ينتمون إلى المقاومة.
وهذا الشرط كانت إسرائيل قد تراجعت عنه بضغوط وتدخلات مصرية أمريكية، ثم تشددت مرة أخرى. وترفض حماس ذلك لأنه يحول إسرائيل لقوة احتلال دائمة تدخل من تشاء وتمنع من تشاء. وخلال المفاوضات كانت هناك اقتراحات بأن تكون هناك هيئة محايدة تقوم بهذه المهمة.
ثالثا: تصر إسرائيل على معرفة أسماء الأسرى الأحياء، خصوصا من الجنود وأن يتم إطلاق سراحهم فى المرحلة الأولى، على أن يتم إطلاق سراح القتلى فى مراحل لاحقة. وترفض حماس ذلك، لأنه عمليا يحتاج لوقف إطلاق النار حتى تجرى إحصاء دقيقا، وسياسيا فإن حصول إسرائيل على الجنود الأحياء أولا، يعنى أنها قد تستأنف العدوان بعد ذلك مباشرة، بل وتضحى ببقية جثامين الأسرى، خصوصا أنها تطبق فعليا «مبدأ هانيبال» الذى يقول إن وقوع جنود أو مواطنين إسرائيليين فى الأسر لا ينبغى أن يعوق الجيش عن تنفيذ أهدافه
كما تطالب إسرائيل بوضع فيتو على أسماء كبار المسجونين الفلسطينيين الذين تريد حماس إطلاق سراحهم، أو توافق على إطلاق سراح البعض لكن مع إبعادهم عن الإقامة فى الضفة أو غزة، على غرار ما حدث فى إبعاد قادة المقاومة إلى قرية مرج الزهور اللبنانية عام ١٩٩٢، وكان معظمهم ينتمون إلى التيار الإسلامى حتى قبل تشكل حماس رسميا.
رابعا: تصر إسرائيل على استمرار احتلالها لمعبر رفح ومحور فيلادلفيا، حتى تضمن السيطرة الكاملة على الحدود البرية الوحيدة للقطاع. وترفض حماس ذلك كما أن مصر ترفضه بشدة لأنها حدود مصرية فلسطينية ليس فقط بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩، بل طبقا أيضا لملحق انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام ٢٠٠٥.
وحاولت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الوصول إلى حلول وسط، لكن مصر ترفض ترسيخ احتلال إسرائيل وتريد إدارة فلسطينية فقط أو بمشاركة دولية لكن من غير وجود إسرائيل، حتى لا يترسخ ذلك مستقبلا.
خامسا: تريد إسرائيل استمرار التواجد فى مفرق الشهيد أو ما يسمى بمحور نتساريم الذى أقامته ويفصل شمال غزة عن جنوبها، حتى تضمن استمرار السيطرة الفعلية على القطاع والتوغل فى مدنه فى أى وقت، وهو ما ترفضه حركة حماس وتصر على الانسحاب منه.
تلك أهم المشاكل والعقبات التى ستسعى مفاوضات القاهرة خلال أيام للتغلب عليها.
لكن هناك خلافا كبيرا لا يتم الإعلان بوضوح عنه وهو: فى حالة الوصول لوقف إطلاق النار والهدنة، فمن هو الطرف الذى سيحكم قطاع غزة بعد ذلك؟! تلك هى المعضلة الكبرى.
عماد الدين حسين – الشروق نيوز