آراء

الأمن الاستراتيجي لقاع البحار

يرتبط أمن كابلات الألياف الضوئية البحرية بالأمن الجيوستراتيجي لتحقيق الهيمنة وتحقيق التوازن في ميزان القوى العالمية، وبدون وجود نسبة مقبولة من التوافق الدولي على ذلك الأمن الحيوي سيكون من الصعب على البشرية أن تعيش حياةً آمنةً، كما لن تتمكن دولة بمفردها أو الدول دون الدور المحوري للقطاع الخاص من التعامل بشكل كافٍ مع التحديات الفريدة التي تفرضها حماية البنية الأساسية الحيوية لقاع البحر.

وفي حين أن الأهمية القصوى لخطوط الاتصالات البحرية مفهومة على نطاق واسع، فإن خطوط الاتصالات في قاع البحر في معظم الدول لم يتم دراستها بشكل كافٍ، ولم يتم تقديرها أو تحديد البنية الأساسية الحيوية لقاع البحر في المنطقة المجاورة مباشرةً لتلك الدول، ودراسة سيناريوهات حروب قاع البحر، وكيف ينبغي الاستجابة للتهديد المتزايد لخطوط الاتصالات في قاع البحر من خلال تحليل منهجي لاتجاهات هذه الحرب، وكيف ستبدو استراتيجيات المرونة الجديدة لأمن قيعان البحار والمحيطات.

بينما تعد تدفقات بيانات الكابلات البحرية عنصراً أساسياً في التجارة البحرية بين الدول، فإن المخاوف المتزايدة من أن الدول والجماعات الإرهابية على حد سواء قد تستهدف الكابلات البحرية والبنية التحتية الحيوية الأخرى المرتبطة بها، وستكون تلك الهجمات ضمن ترسانة الأسلحة التي ستجعل استخدام الأسلحة النووية من غير الضروري للدفاع عن الأمن الوجودي للدول، أو تحقيق أهدافها في مجالها الحيوي بأقل تكلفة، ولذلك قد تجد اليوم ضمن منظومات الدول أشخاصاً يجلسون ويفكرون في أفضل الطرق التي يمكنهم من خلالها تفجير خطوط الأنابيب، أو قطع الكابلات البحرية لتحقيق التفوق على الخصوص وحرمانها من أهم مصادرها في الدول المهمة لها، أو إضعاف تواجدها في منطقة ما في العالم وقطع الطريق عليها وأن تكون تلك الدولة هي البديلة لها في تلك المناطق، والقائمة تطول عن تسليح قرصنة ما تحت سطح البحار.

إن 97% من الاتصالات العالمية تمر عبر كابلات الألياف الضوئية تحت البحر، وهذه الكابلات ليست عرضة للتخريب في قاع البحر فحسب بل وأيضاً نقاط النزول التي تصل فيها إلى الشاطئ. ولا تدير الحكومات الكابلات المغمورة بالمياه ولكنها مملوكة لشركات خاصة مختلفة، كما أن هناك سبلاً وطرقاً كثيرة لفرض تهديدات معينة على الدول مما جعل بعض دول العالم تطور استراتيجيات مواجهة حروب قاع البحر، وذلك مثل أميركا والصين والهند وأستراليا وفرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا.. إلخ، ومن تخريب خطوط الطاقة إلى قطع الكابل البحري واستهداف كابلات الإنترنت، والتنافس على صناعة الكابلات البحرية، ومدى ارتباط ذلك بمجالات النفوذ في قاع البحر، والتنافس العالمي على الموارد النادرة، والتعدين تحت الماء، والسيطرة على سلاسل التوريد العالمية، ومزج الأهداف الاقتصادية بالأهداف السياسية في الجزر والممرات الحيوية في العالم، ناهيك عن استخدام قاع البحر لتركيب منصات ضخمة لإنتاج طاقة الرياح، وتطور كبير في التنقيب عن النفط والغاز في المياه العميقة، وهنا يبرز الدور الصيني والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: متى ستنتقل تلك الصراعات من قاع البحر إلى سطح البحر واليابسة؟إن معظم البنية التحتية الحيوية لقاع البحر مملوكة للقطاع الخاص ويتم تشغيلها وإصلاحها من خلاله، فهل تملك الدول العربية استثمارات كبرى في تلك الصناعة؟ وفي نفس السياق تتألف صناعة الكابلات البحرية من العديد من اللاعبين،

وغالباً ما تكون شبكات الكابلات البحرية مملوكة لاتحادات من الشركات، في حين تعطي الصناعة الأولوية لقنوات بيانات سريعة وآمنة ومستقرة، إلّا أن الصناعة ليست على دراية بالفوارق الجيوسياسية والتهديدات البحرية الناشئة وتكتيكات المنطقة الرمادية، كما يمثل الحصول على منصات وقدرات لمراقبة وحماية البنية الأساسية الحيوية لقاع البحر تحدياً ملموساً، ولا يوجد سوى عدد محدود من السفن القادرة على مدّ وإصلاح وصيانة هذه الكابلات في قاع البحار، مما يعني ضمان أن تكون قدرات الحرب المضادة للغواصات قادرة أيضاً على حماية البنية التحتية الحيوية لقاع البحر، وتتفاوت قدرات الدول في ذلك المشهد.

سالم سالمين النعيمي – كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى