الدولة الفلسطينية والانقسام الأوروبي
قد يكون الاتحاد الأوروبي منقسمًا بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، ولكن في بعض الأحيان تكون هذه الانقسامات نعمة. على سبيل المثال، اتخذت إيرلندا وإسبانيا، والنرويج المقربة من الاتحاد الأوروبي على الرغم أنها عضو فيه، قبل أشهر خطوة، بطريقة منقسمة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي غياب موقف موحد للاتحاد الأوروبي بشأن هذه المسألة، فإن المضي قدمًا على مستوى الدول الأعضاء الفردية ربما يكون الطريقة الوحيدة القابلة للتطبيق للتقدم نحو هذه القضية. ومع ذلك، بعيدًا عن الرمزية، ليس من الواضح التأثير الذي ستحدثه هذه الخطوة.
هذا الرأي للخبير السياسي الأمريكي «إلدار ما ميدوف»، نُشر على موقع «قاسيون».
كانت السويد أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بدولة فلسطين في عام 2014. واعترفت قبرص ومالطا وعدد قليل من دول أوروبا الوسطى بفلسطين قبل انضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي. وفي بيان صدر في مايو يشرح فيه هذه الخطوة، قال رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستور:«إنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط إذا لم يكن هناك اعتراف». ولكنه، كما يبين ما ميدوف، أوضح أيضًا شرحًا، بحيث يزيل اللبس عن قرار دولته، بأن «الإرهاب ارتكبته حماس والجماعات المسلحة التي لا تؤيد الدولتين». وأعلن نظيره الإسباني بيدرو سانشيز أن مجلس وزراء بلاده يعترف بفلسطين، «مرددًا إرادة غالبية الشعب الإسباني».
وكما كان متوقعًا، ردّت «إسرائيل» بقسوة، وقامت باستدعاء سفراء إيرلندا والنرويج، والتهديد بفعل الشيء نفسه مع إسبانيا. وانتقد وزير الخارجية «الإسرائيلي» كاتس، الثلاثي الأوروبي بقوله إن خطوتهم تبعث برسالة مفادها أن «الإرهاب يؤتي بثماره» ويكافىء حماس وإيران في ضوء هجوم حماس المروع على «إسرائيل في 7 أكتوبر 2023».
وعلى النقيض من ذلك، فقد لقيت هذه الخطوة ترحيبًا واسع النطاق في الشرق الأوسط، حيث أصدر شركاء مقربون من الاتحاد الأوروبي مثل تركيا وقطر والأردن، فضلًا عن المسؤولين في الضفة الغربية، بيانات داعمة بقوة.
وتجدر الإشارة إلى بيان المملكة العربية السعودية، التي دعت فيه إلى المزيد من الدول إلى «السرعة باتخاذ الموقف نفسه، ممّا يُسهم في إيجاد مسار موثوق ولارجعة فيه لتحقيق سلام عادل ودائم يلبي حقوق الشعب الفلسطيني». وستغلّت الرياض مناسبة أخرى لتقول إن المسار الموثوق لإقامة دولة فلسطينية غير قابل للتفاوض، حتى في الوقت نفسه الذي يشاع فيه في وسائل الإعلام الغربية وجود مباحثات مع السعودية تؤدي إلى التوصل إلى اتفاق تطبيع مع «إسرائيل»، تحت رعاية الولايات المتحدة.
ومع ذلك، لم تنضم كل الدول في الاتحاد الأوروبي بعد. ويقول هيو لوفات من «الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية» إن دولًا مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، والمملكة المتحدة من خارج الاتحاد الأوروبي، من غير المرجح أن تحذو حذو النرويج وإسبانيا وإيرلندا، لأنها تقول إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقوّض عملية أوسلو.
ومع ذلك، يعتقد لوفات أنّ «ربط حق الفلسطينيين في تقرير المصير بعملية سياسية معيبة بشكل قاتل كان دائمًا نهجًا خاطئًا، ولكنه أصبح أكثر من ذلك في غياب احتمال واقعي لمفاوضات ناجحة».
نمط متكرر من الآراء الأوروبية
يأتي اعتراف إيرلندا والنرويج وإسبانيا بفلسطين بعد أيام قليلة من الطلب الذي تقدم به المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال قادة «إسرائيل» وحماس. تكشف ردود الفعل الأوروبية، مرة أخرى، عن نمط مألوف من الانقسامات على طول الخطوط التي يمكن التنبؤ بها، فقد تعهدت بلجيكا وسلوفينيا وإيرلندا وإسبانيا، وجميعها من المؤيدين الأقوياء لحل الدولتين، بتقديم الدعم الكامل للمحكمة وشددت على أنّ المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في «إسرائيل» وفلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 على الأقل، يجب إخضاعهم للمحاكمة.
وعلى المنوال ذاته، ذكر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن «جميع الدول التي صدّقت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية مُلزمة بتنفيذ قرارات المحكمة».
والجدير بالذكر أن أعضاء الاتحاد الأوروبي هم أطراف في نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الجانب الآخر من الطيف، هناك المشتبه بهم المعتادون أقرب حلفاء «إسرائيل» في الاتحاد الأوروبي. بدرجة متفاوتة من الشدة، نددت جمهورية التشيك والمجر وإيطاليا والنمسا بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق ممثلين عن دولة ديمقراطية مثل «إسرائيل».
وفي مكان ما في الوسط المعُلن، تقف الدول ذات الوزن الثقيل في الاتحاد الأوروبي،فقد انتقدت ألمانيا «المعنى الضمني غير الصحيح للمكافأة» بين «إسرائيل» وحماس في طلب التوقيف الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية، ولكنها أعلنت في الوقت ذاته عن دعمها العام للمحكمة. ورفضت فرنسا بالمثل أي تساوٍ بين المطلوبين، لكنها شددت على «احترام استقلال العدالة الدولية».
ورغم أنّ الاعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية يشكل خطوة رمزية إلى حد كبير، إلى جانب التحرك الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية، بدعم من عدد من حلفاء «إسرائيل» في الاتحاد الأوروبي، إلا أنّه يشير إلى تآكل خطير لمكانة إسرائيل في الغرب. وقد تختار المزيد من الدول أن تحذو حذوها في المستقبل القريب، حيث تكون من المتوقع أن تكون بلجيكا وسلوفينيا من المرشحين الرئيسيين. وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يعد قادرًا على تجاهل هذه الخطوة.
وقد تتعارض مثل هذه التحركات مع مواقف الولايات المتحدة، لكنها تكشف في الحقيقة عن الإحباط المتزايد في أوروبا بشأن عدم جدوى التمسك بصيغة الحل التفاوضي الذي يبدو بعيد المنال على نحو متزايد في ظل تحول إسرائيل نحو مواقف أكثر تصلبًا، وعدم ردها حتى على إعلانات رمزية.
في الوقت نفسه – وهذا الأمر شديد الأهمية في هذا السياق – لم تعد الدول الأوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج، وربما دول أخرى، ترغب في دفع ثمن دبلوماسي في علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، وفي الواقع مع معظم دول الجنوب العالمي، من خلال رفض دعم دولة فلسطين والالتزام بحل الدولتين، أو حتى التغاضي عن عدم احترام إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وإذا حكمنا من خلال ردود الفعل في الشرق الأوسط، فإن اعتراف الدول الثلاثة بفلسطين كان رهانًا صحيحًا.
فهد المضحكي – الأيام البحرينية