ثقافة الاحتضان الوظيفي
عندما يتم تعيين شخص في وظيفة ومنصب يطمح اليه، نجده في الأسابيع الأولى مليئا بالحماس والدافعية والعطاء، شعور يطغي عليه الإيجابية الزاخرة بالقدرة وكأنه يقضي اجازته السنوية وهو في أوج السعادة والاستعداد لإثبات وجوده، ومع مرور الوقت وبالتدريج يتضاءل جهده وينتابه الإدراك بأنه يتحمل الكثير من المسؤوليات خارج نطاق مهامه الوظيفية والتي لا يتوجب عليه القيام بها وتأخذ من ساعات سكينته وذاته إضافة إلى العناء النفسي والعقلي الذي يسرف من طاقته وحماسه ليبدأ مرحلة الإجهاد والانزواء عن الآخرين.
مع زيادة المسؤوليّات الوظيفية، يرغم الموظف للعمل لوقت طويل دون استراحة وارتياح، ليمتد ويصل إلى ما بعد ساعات الدوام الرسمية، فيعتريه الملل والعجز لنفاد الطاقة على التركيز، ويفقد القدرة على تحقيق معادلة التوازن الوظيفي، كذلك عندما يتعرض لموقف ظالم ومتعسّف من خلال تفضيل زملاء آخرين في الصعود لمناصب أفضل على الرغم من أهليّة واستحقاق الموظف وعندما ينسب الامتنان والتقدير لموظف دون فريق العمل ليعدم الحافز ويتبدد الجهد.
هاجس الإرهاق الوظيفي بأبعد مراحله مع تعسّر التكيف بشكل يومي، يجعل الموظف يشعر بالإعياء الجسدي والإنهاك الذهني والصداع وقد يكون له أثر ملحوظ على الصحة البدنية كأمراض القلب، والسمنة، والسكري مما يؤثر نفسياً على سعيه في تأدية وإنجاز مهامه ليصعد لمرحلة الاكتئاب والتعاسة، ومع تفاقم الإجهاد والضغوطات نجد الحصيلة هي عدم استطاعته التكيف مع النوم والاحساس بالحزن والاغتمام وقلة الإنتاجية مما يؤثر سلباً على تواصله مع الآخرين، كذلك البيئة السامة وعرقلة المسؤولين في المهام الوظيفية بشكل مبالغ، له دور هائل في الضغط النفسي واستنفاذ الطاقة.
نحن بحاجة إلى تجنب مراحل الإرهاق ومعالجة الأعراض للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية والجسدية، فكن استباقياً بهذه التجربة الذاتية، تقدم بطلب إجازة من عملك، وتخيل نفسك في جولة استراحة ليوم كامل بعيداً عن التكنولوجيا وأجهزة التواصل، حاول أن تشرع في تغذية الجانب الإبداعي لديك، قم بمزاولة مهارات بعيدة عن بيئة العمل، وإدارة عالمك والنزاع الذي تعاني منه لكي تتعامل مع تحديات العمل بتفوق ونجاح بعيداً عن الإنهاك أو الدوران الوظيفي.
في الآونة الأخيرة تصاعدت نسبة الدوران الوظيفي والذي يقرره الموظف لمزايا أفضل وتحقيق توازن صحي بين الحياة الشخصية ومهام العمل، وهذا يشير الى معضلة ذات علاقة بثقافة وهيكلة المزايا والتقدير والتقدم المهني والإداري بشكل عام وربما هروباً من البيئة السامة أو الإدارة الغير فعالة، ولتقليص الدوران لابد ان تكون لدى الإدارة ثقافة احتضان الموظف المبدع والمبتكر، والتخطيط لسعادة الموظفين بمزايا أفضل وتحديد مسارات ومسميات وظيفية حديثة لائقة بسنوات خبرة الموظف.
فوزية أحمد – الشرق القطرية