آراء

الخوف من التفاوض

ثمة عبارة لإدوارد سعيد تقول: إذا ما توافرت للإنسان إرادة صادقة لفهم الثقافات الأخرى ستزول لديه نزعة السيطرة لتحل محلها النزعة الإنسانية، دون ذلك ستبقى الهمجية متحكمة فى مصائر البشر.

منذ اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحماس، فى طهران، وفؤاد شكر، كبير المستشارين العسكريين لحسن نصر الله، فى بيروت، تتابعت تحليلات كثيرة للحادث محاولة التنبؤ بنتائجه على المنطقة وقراءة ما يدور فى رأس نتنياهو وأسباب إصراره العنيد على المزيد من التصعيد دون خشية من فرضية حرب شاملة لن ينجو طرف من نتائجها الكارثية. لم يجاوز محللون الحقيقة عندما وصفوا فعلة نتنياهو بالمقامرة «البوكر» لأنه يقامر ليس فقط بمستقبله السياسى وإنما أيضًا وقبل كل شىء بحياة مواطنيه. الواقع أن نتنياهو ما كان ليقدم على اغتيال هنية وشكر إلا لأنه على يقين من أن ثمة سقفًا لن يتخطاه الصراع. فهو موقن بأن العرب ومعهم إيران لا قبل لهم بمواجهة الولايات المتحدة، كما أنه يعلم أن ردود الفعل الانتقامية المحتملة لن تتجاوز عمليات عسكرية مفاجئة سيروح ضحية لها بضعة إسرائيليين ودمار بضع معدات ستعوضه عنها أمريكا بأفضل منها. وإن كانت هناك مخاوف لدى المراقبين من اندلاع حرب شاملة فإن هذه المخاوف لا تشكل فى تقديرات نتنياهو عائقا كبيرا فى تنفيذ خطته بعد أن وضع لها كل حساباته ودرس كل احتمالاتها، حتى ولو كانت من بينها فرضية الحرب الشاملة. قبل اغتيال هنية وشكر ذهب نتنياهو إلى الكونجرس، حيث لقى من أعضائه ترحيبًا شديدًا وتصفيقًا مدويًا مقترنًا بوقوفهم له إجلالًا وامتنانًا كلما نطق بكلمة أو كلمتين. خطب فيهم قائلا: إن حربه فى غزة وفى المنطقة برمتها ليست إلا دفاعًا عن مصالح الأمريكيين وقيمهم قبل كل شىء، كما أنها تستند إلى حق إسرائيل المشروع فى الدفاع عن نفسها ضد ما يحيق بها من أخطار «محور الشر الإيرانى». كان تحمس الكونجرس لنتنياهو ضوءًا أخضر له لتنفيذ ما خطط له. لم تكن لخطة بايدن الرامية لوقف إطلاق النار أى أهمية فى نظره إذ كان متأكدًا من حساباته.

.. إذ ما كاد يقع اغتيال هنية وشكر حتى أرسل بايدن نفسه طائرات وسفنًا حربية فى المنطقة للتحذير من أى رد فعل انتقامى ضد إسرائيل. ولكن ما مغزى اغتيال رئيس الجناح السياسى لحماس؟ بات معلومًا أن الجناح العسكرى للحركة قد بدأ يستقل بنفسه تدريجيًا عن رموز المكتب السياسى المستقرين خارج غزة منذ عام 2006، وهو نفس العام الذى تمكنت فيه القيادات العسكرية لحماس من أسر الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط. وفى عام 2011 قاد الجناح العسكرى وحده التفاوض مع إسرائيل ونجح فى إطلاق سراح شاليط مقابل تحرير 1027 فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية، ومن بينهم «السنوار». ومنذ إطلاق سراحه وضع السنوار استراتيجية جديدة للحركة تقوم على فكرة الاستباق بالعمليات العسكرية المفاجئة، واعتماد لغة القوة لدفع إسرائيل نحو خيار التفاوض. وأثناء الحصار الإسرائيلى على غزة نجح الجناح العسكرى لحماس فى تدبير احتياجات سكانها عبر شبكة معقدة من الأنفاق السرية. ولئن عانى الغزيون من استبداد قادة حماس فقد شاهدوا فيهم القوة الفعلية التى تضحى بحياتها لتحرير بلادهم. فما قيمة هنية إذن لإسرائيل؟ ثمة تفسير يقول إن ما يعانى منه نتنياهو هو الاستمرار فيما يشبه حرب الاستنزاف التى تظل فيها إسرائيل محاطة بالخطر والتهديد من كل جانب. فكان لزامًا عليه جر أعدائه إلى الحرب الشاملة ووأد كل محاولة للتفاوض. كان هنية يدفع نحو التفاوض، وهو ما يعنى بقاء حرب الاستنزاف فجاءت فكرة تصفيته. كما أن اغتياله فى طهران رسالة قوية لإيران بأن يد إسرائيل قادرة على أن تطالها. وعلى الجانب اللبنانى، فإن اغتيال القائد الميدانى فى حزب الله يؤكد قدرة إسرائيل على اختراق أنظمة الحزب واصطياد قادته، كما أنه استفزار له لجره إلى الحرب الشاملة التى سيكون النصر فيها مضمونًا لإسرائيل المؤيدة بالسلاح والعتاد الأمريكى، كما أنها السبيل الأوحد للخروج من حرب استنزاف طويلة تسمح ببقاء الخطر محدقًا بإسرائيل وتؤكد الهزيمة المريرة لنتنياهو على يد المقاومة.

د. عصام عبدالفتاح – المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى