الصحة

“اللقاحات” .. ركيزة لصحة البشرية تتحدى رياح الإشاعات

أسئلة كثيرة وجدل لا يتوقف في مختلف الأوساط المجتمعية حول سلامة اللقاحات وصحة المعلومات المتداولة حولها وكيف نستجيب للأخبار الشائعة، وما هو مستقبل اللقاحات في ظل حالة الشك واللايقين التي أعقبت جائحة كورونا، وهل هناك بالفعل تضارب في المصالح أو أي بواعث قلق أخرى قد تؤثر على موثوقية الادعاءات المتعلقة باللقاحات؟للحصول على اجابات مستنيرة وموثوقة حول هذا الموضوع، تحدث الدكتور زيد بن الخطاب الهنائي، استشاري الأمراض المعدية لدى الأطفال وأستاذ مساعد بكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس عن مأمونية اللقاحات، قائلا: اللقاحات بشكل عام من أبسط وأنجح الإجراءات الطبية الوقائية وأكثرها سلامة. مثلا في عماننا الحبيبة نستخدم اللقاحات منذ عشرات السنين، وبنسبة نجاح عالية جدًا، ونسبة أمان ممتازة، نجحت اللقاحات في القضاء على أمراض شديدة مثل شلل الأطفال والجدري والحصبة والحصبة الألمانية، وسيطرت على أوبئة مثل الكزاز والخناق، وقللت بشكل كبير الإصابات بالبكتيريا العقدية والمستدمية والسعال الديكي والكبد الوبائي والحماق والنكاف. وفي هذه الفترة تراجعت وفيات الأطفال دون سن الخامسة من ١٩% في عام ١٩٧٠ إلى أقل من ١% اليوم. ومع درجة سلامتها العالية، تعتبر اللقاحات ركيزة أساسية في منظومة الصحة العامة والوقاية من المرض.وحول أفضل الممارسات للتحقق من سلامة اللقاحات، ذكر الدكتور: تمر اللقاحات بأربع مراحل تطوير للتأكد من الكفاءة والسلامة قبل الاستخدام الطبي بشكل واسع، ففي المرحلة الأولى يكون التجريب في الحيوان، وإذا نجحت تبدأ بعد ذلك التجارب السريرية المحكمة في المتطوعين من البشر على ثلاثة مراحل، ومع كل مرحلة تتوسع الدائرة تدريجيا بحيث يتم توثيق الفعالية والسلامة في عدد أكبر من الناس تصل إلى عشرات الآلاف. إذا نجح اللقاح في اجتياز كل هذه المراحل وأثبت درجة عالية من الكفاءة والسلامة، تقوم الهيئات الدوائية المستقلة بإجازة استخدامه الطبي. ومن بعد الإجازة، يتم مراقبة الفعالية والسلامة في مرحلة جديدة، تسمى مرحلة ما بعد التسويق، للتأكد من عدم ظهور أي أعراض نادرة جدًا. وبهذا نجد أن اللقاحات التي تم استخدامها منذ عشرات السنين أثبتت درجات عالية جدا من الكفاءة والسلامة. أما اللقاحات الجديدة، فتكون سليمة كذلك، لكن من المحتمل أحيانا رصد بعض الأعراض النادرة جدا لدى البعض منها. ويوجد في سلطنة عمان منظومة مراقبة لسلامة اللقاحات، وقد تم نشر عدة دراسات في مجلات علمية محكمة من هذه المنظومة، والتي أظهرت درجة السلامة العالية.

جائحة الشائعات

وحول كيفية الاستجابة بشكل مناسب للشائعات المتعلقة باللقاحات، أوضح الهنائي: انتشرت في مجتمعاتنا الأخبار الشائعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ورأينا ما يسمى ب”جائحة الشائعات” المصطلح الذي يشير إلى الكم الهائل من الإشاعات المتداولة والتي يكون أكثرها غير دقيق أو مهوّل أو حتى كاذب. كما ظهر الكثير من “تجار الإشاعات” وهم أفراد ومؤسسات يتكسبون من وراء نشر الإشاعات في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يعتمد الربح في هذه الشبكات على انتشار الخبر دونما اعتبار لمصداقيته أو دقته. يجد هؤلاء أن الخبر المغرض الذي يروّج لوجود مؤامرة أو يوحي بالفضيحة هو الذي ينتشر بشكل أكبر حتى لو كان ملفقا، بالتالي نجد انتشار الإشاعات بشكل واسع وغير مسؤول، وللأسف شاهدنا استهداف بعض الإجراءات الوقائية أثناء جائحة كوفيد-١٩ مثل استهداف لبس الكمام واستهداف اللقاحات الواقية من كوفيد-١٩.

بالتالي علينا أن ننمي القدرة على معرفة الخبر الخاطئ، وتمييز درجة موثوقية المصدر، علينا أن نتحقق من مصداقية الخبر وطريقة صياغته قبل مشاركته معه الأقرباء أو الأصدقاء، كما ننصح بعدم متابعة أو حتى حظر الحسابات التي نعرف بأنها تروج الإشاعات بشكل متكرر. الإشاعات هي كالماء العكر يجلب السقم والأمراض، علينا أن نرتوي دوما بماء الصدق والعلم والحقيقة.

بداية اللقاحات

وفي السياق ذاته قال الدكتور إلياس سعيد أستاذ مشارك بكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس متحدثا عن مسار تطور اللقاحات وفاعليتها في منع انتشار الأمراض وتقليل خطورة الإصابة: لقرون طويلة، كانت هناك ممارسة تسمى التجدير (تعريض الأشخاص الأصحاء للجدري بشكل متعمد) على أمل منعهم من الإصابة بالمرض في المستقبل. يعود تاريخ هذه الممارسة إلى القرن الخامس عشر على الأقل، مع وجود بعض الأدلة التي تشير إلى أنها ربما كانت موجودة حتى عام 200 قبل الميلاد. في عام 1721، قامت الليدي ماري وورتلي مونتاغو، مستوحية من ممارسة علمت بها في تركيا، بتقديم التطعيم إلى أوروبا عن طريق تطعيم ابنتيها. في وقت لاحق، في عام 1774، افترض بنجامين جيستي، بناءً على ملاحظات سابقة، أن الإصابة جدري البقر يمكن أن تحمي من الجدري، وقام باختبار هذه النظرية.

وفي عام 1796، طور الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر هذه الفكرة أكثر عن طريق تطعيم صبي صغير بمادة من بثرة جدري البقر، مما أدى إلى حماية الصبي. تمت صياغة مصطلح vaccine “لقاح” لاحقًا، والمأخوذ من الكلمة اللاتينية التي تعني البقرة، وهي “vacca”. في عام 1872، ابتكر لويس باستور أول لقاح يتم إنتاجه في المختبر. منذ ذلك الحين، تم إنتاج العديد من اللقاحات وأثبتت فعاليتها ضد العديد من الأمراض المعدية التي تسببها الفيروسات والبكتيريا. وبفضل اللقاحات، أعلنت جمعية الصحة العالمية في عام 1980 القضاء على الجدري، كما أدت جهود التطعيم إلى انخفاض ملحوظ في شلل الأطفال. بحلول عام 1994، تم إعلان خلو الأمريكتين من شلل الأطفال، تلتها أوروبا في عام 2002. وبحلول عام 2003، لم يتبق سوى ست دول فقط بها شلل أطفال متوطن. حقق القضاء على الحصبة تقدمًا مماثلاً في الأمريكتين، لكن التفشي بدأ في الظهور مرة أخرى في عام 2018 بسبب نقص في تغطية التلقيح.

وقال الدكتور إن تطوير لقاحات كوفيد-19 في وقت قياسي، باستخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي أظهر التقدم العلمي في مجال اللقاحات. جاء هذا الإنجاز بعد عام واحد فقط من ظهور أول حالة كوفيد-19، مما يسلط الضوء على إمكانية الاستجابة السريعة. تحمينا اللقاحات الآن من أكثر من 20 مرضًا. ومن الجدير بالذكر أن معدلات وفيات الأطفال انخفضت بأكثر من النصف خلال الثلاثين عامًا الماضية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى اللقاحات. وتستمر الجهود الجارية في تطوير لقاحات ضد الأمراض غير المعدية مثل السرطان، مما يدل على السعي الدؤوب لتحقيق المزيد من التقدم في مجال الصحة.

سلالات جديدة

وحول ضرورة استمرار الباحثين بإجراء دراسات علمية بشكل دوري على اللقاحات الجديدة أفاد الدكتور إلياس أن الفيروسات تتطور باستمرار، مما يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلالات جديدة قد تكون أكثر عدوى أو مقاومة للقاحات الحالية. لذلك، الدراسات الدورية تساهم في تحديث اللقاحات وضمان فعاليتها في مواجهة التهديدات الصحية المستجدة. بالإضافة إلى ذلك، تساهم هذه الدراسات في تعزيز فهمنا للفيروسات وآلياتها، مما يدعم تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية أكثر فعالية، ويحمي الصحة العامة بشكل أفضل. إنّ استمرار الباحثين في إجراء دراسات علمية بشكل دوري على اللقاحات الجديدة وتطور الفيروسات ضروري للغاية لحماية الصحة العامة. يمكن أن تساعد هذه الدراسات في ضمان فعالية اللقاحات الحالية، وتطوير لقاحات جديدة، وفهم كيفية عمل الفيروسات، والاستعداد لمواجهة الأوبئة المستقبلية. و ينطبق هذا الى حد ما على الأمراض التي تسببها البكتبربا و الأحياء الدقيقة الأخرى.

وحول التحديات التي يواجهها الباحثون في تطوير اللقاحات، ذكر الدكتور إلياس سعيد أن الباحثين يواجهون العديد من التحديات في تطوير لقاحات فعالة وآمنة، سواء ضد الفيروسات أو البكتيريا وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة. تتطور الفيروسات باستمرار من خلال عملية تسمى الطفرة، مما يؤدي لظهور سلالات جديدة قد تكون مقاومة للقاحات الحالية. و تتمتع البكتيريا بقدرة عالية على التكيف والتطور، مما يسمح لها بتطوير مقاومة للمضادات الحيوية واللقاحات. وهذا يمثل تحديًا كبيرًا لتطوير لقاحات فعالة ضد البكتيريا مثل المكورات الرئوية. و لا يزال الباحثون لا يفهمون تمامًا كيفية عمل بعض الفيروسات والبكتيريا. وهذا يجعل من الصعب تطوير لقاحات تستهدف بشكل فعال نقاط الضعف في هذه الكائنات الدقيقة. كما يجب أن تكون جميع اللقاحات آمنة للاستخدام على نطاق واسع. وقد تتسبب بعض اللقاحات في آثار جانبية، بعضها قد يكون خطيرًا. لذلك يجب على الباحثين إجراء اختبارات صارمة لضمان سلامة اللقاحات قبل الموافقة عليها. و يمكن أن يكون تطوير اللقاحات عملية مكلفة وطويلة الأمد. وقد لا يكون لدى الباحثين دائمًا الموارد اللازمة لإجراء الدراسات اللازمة لتطوير لقاحات جديدة واختبارها. كما قد يكون بعض الناس مترددين في تلقي اللقاحات بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة أو الفعالية. لذلك يجب على الباحثين العمل على تعزيز قبول الجمهور للقاحات من خلال تثقيف الناس حول فوائد اللقاحات ومخاطرها.

أنظمة ابلاغ متقدمة

وعن المخاوف من الآثار الجانبية للقاحات قال الدكتور إلياس: من المفهوم أن يكون بعض الناس قلقين بشأن الآثار الجانبية للقاحات. فمثل أي دواء أو علاج طبي، قد تسبب اللقاحات بعض الآثار الجانبية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الغالبية العظمى من الآثار الجانبية للقاحات خفيفة وقصيرة الأمد. و تُعدّ مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة نتيجة عدم تلقي اللقاح أكبر بكثير من مخاطر الآثار الجانبية للقاح، ويتمّ اختبار اللقاحات بدقة لضمان سلامتها وفعاليتها قبل الموافقة عليها للاستخدام. و تُراقب سلامة اللقاحات عن كثب بعد الموافقة عليها من خلال أنظمة إبلاغ متقدمة عن الآثار الجانبية. يجب على الأشخاص الذين لديهم مخاوف بشأن الآثار الجانبية للقاحات التحدث إلى المختصين الذين يمكنهم المساعدة في فهم فوائد ومخاطر اللقاحات. دائما يجب الحصول على المعلومات من مصادر موثوقة وعدم الاعتماد على المعلومات من مصادر غير موثوقة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي. لقد ساعدت اللقاحات على إنقاذ ملايين الأرواح ومنع انتشار الأمراض المعدية الخطيرة.

وقدم الدكتور دراسة حول العوامل المرتبطة بلقاحي “فايزر واسترازينكا”، وخلصت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة، والنساء، والأشخاص الذين يتناولون أدوية بشكل منتظم أبلغوا عن آثار جانبية أقوى، خاصة بعد الجرعة الثانية من لقاح فايزر.

كما بدأ الأشخاص الذين لديهم حساسية أكثر عرضة للإصابة بآثار جانبية أقوى بعد الجرعة الثانية من لقاح أسترازينكا، مع كون النساء أكثر عرضة.

وأكد الدكتور بأن هذه الدراسة الأولى التي تظهر وجود صلة بين التاريخ المرضي للحساسية والمشاكل الصحية المزمنة والأدوية وشدة الآثار الجانبية لكلا اللقاحين.وبشكل عام، تساهم هذه الدراسة في فهم الاستجابات الفردية للقاحات المضادة لكوفيد-١٩ وتؤكد على أهمية الاستمرار في إجراء الأبحاث في علم الفيروسات وتطوير اللقاحات.

وتابع في حديثه: تقدم الدراسة نتائج قائمة على الأدلة حول الآثار الجانبية و هي تُعزز تأكيد انخفاض مخاطر الآثار الجانبية المرتبطة بلقاحات كوفيد-١٩، وتدعم سلامتها بشكل عام. وعلى الرغم من أن نسبة صغيرة من الأشخاص قد يواجهون آثارا جانبية قوية نسبياً بسبب عوامل مختلفة، إلا أن هذا لا يعني أن اللقاحات غير آمنة.وأوصى الدكتور إلى إجراء المزيد من الأبحاث لفهم أسباب و آليات العلاقات التي تمت ملاحظتها، مع مراعاة العوامل المكتشفة (مثل الأمراض المزمنة، والأدوية، والحساسية) عند تطوير اللقاحات وإدارة الآثار الجانبية.

عهود الجيلانية – جريدة عمان

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى