آراء

زيارة «نتنياهو» والهروب إلى الخلف

تثير زيارة «نتنياهو» لواشنطن الكثير من التساؤلات والشكوك حول ما إذا كانت هذه الزيارة تهدف لحل مشكلات عالقة بين إسرائيل وإدارة بايدن، أم أنها مرتبطة بمحاولة «نتنياهو» تعزيز موقعه وموقفه السياسى، على الصعيد الإسرائيلى المحلى فى مواجهة الانتقادات المتزايدة، سواء لدى الإسرائيليين أو لدى الجهازين العسكرى والأمنى، ومن المرجح أن يحاول «نتنياهو» تحقيق الهدفين معاً، لكن هذا لا يعنى أبداً أن محاولته تلك ستكلل حتماً بالنجاح، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن «بايدن» يحاول صد الضغوط المسلطة عليه من الكونجرس لاستقبال «نتنياهو» والاستجابة لطلباته، وإذا ما نجح «بايدن» فى التمسك بموقفه المعاند لنتنياهو، فإنه من غير المحتمل أن ينجز «نتنياهو» شيئاً باستثناء النجاح المرتقب والمتوقع فى تحريض أعضاء الكونجرس على حماس وإيران واليمن وجرهم إلى موقف أكثر تشدداً فى دعم «نتنياهو» لتحقيق أهداف الحرب كما يراها، وهذا سيكون له بالتأكيد تأثير واضح على مواقف دونالد ترامب وكامالا هاريس اللذين سيسعيان إلى استقطاب المزيد من دعم اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة.

أما على الصعيد المحلى، فإنه من المؤكد أن «نتنياهو» فى رحلة عودته إلى تل أبيب سيكون أقوى سياسياً مما كان فى رحلة الذهاب، وسيحاول استغلال استقبال الكونجرس له بإظهار مدى الدعم الأمريكى له شخصياً ولسياسته بغض النظر عن رأى الإدارة الأمريكية فى هذه القضايا، وسيحاول استثمار هذا الدعم الأمريكى، كى يحافظ على تماسك حكومته وخفض الأصوات المعارضة له، غير أن المشكلة التى يبدو أنه سيكون عاجزاً عن تخطيها هى الموقف الذى يزداد حزماً لدى الجيش والأجهزة الأمنية، الذين أجمعوا على إظهار موقف واحد صارم بأن الوقت قد حان لعقد صفقة وأنه يجب الآن منح الأولوية للرهائن، وأن عقد الصفقة لن يضر من الناحية الأمنية بإسرائيل، كما لن يمكِّن حماس من شن هجوم مشابه لما حدث فى السابع من أكتوبر.

تحت ضغط هذا الإجماع وافق «نتنياهو» على إرسال الوفد المفاوض إلى قطر يوم الخميس المقبل، بهدف الاطلاع على ردود حماس ولكى يقول للجمهور الإسرائيلى إنه لا يقف ضد الصفقة وإن سفره لن يعطل التفاوض، كنوع من التغطية على تسويفه ومماطلته فى اتخاذ قرار نهائى بهذا الشأن، وهنا تبدو قدرة «نتنياهو» على المناورة محدودة؛ لأن معارضته غير المدروسة لقادة الجيش وأجهزة الأمن، قد تدفع هؤلاء أو بعضهم على الأقل إلى استقالات جماعية ما سيعصف بصورة الجيش والاستقرار السياسى فى إسرائيل كلها، ما سينعكس حتماً على الوحدة الهشة فى الائتلاف الحكومى.

فى كل الأحوال ومادامت حماس قد استجابت إلى تدخلات الوسطاء، وتراجعت قليلاً إلى الخلف فيما تعلق بتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، وقبلت بتأجيل بعض النقاط إلى المرحلة الثانية مثل الوقف النهائى لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من غزة، فإن الخيارات أمام «نتنياهو» تكون قد ضاقت إلى حد أن إمكانية الوصول إلى هذا الاتفاق أصبحت مرجحة أكثر من أى وقت مضى.

إن العامل الحاسم فى أى أزمة من هذا النوع هو ميدان القتال، وطالما أنه لم يطرأ أى تغير دراماتيكى فى الميدان، فإن استطالة الحرب تتحول إلى نوع من المناورة لكسب الوقت، وانتظار إنجاز ما قد لا يتحقق أبداً، أما بالنسبة للجيش الإسرائيلى فإن قادته يعرفون على وجه اليقين أنه ما عاد باستطاعتهم تحقيق إنجاز مفاجئ يغير المعادلة التى رسختها المقاومة الفلسطينية بصمودها المدهش طيلة الشهور العشرة الماضية، وعلى ذلك فإن الاستمرار فى الحرب بالنسبة لهم يعنى المزيد من التآكل فى قدرات جيشهم، ما يهدد بانكماش وتراجع ما تم تحقيقه من مكاسب أو إنجازات، وفى اعتقادهم فإن اعتياد الحرب يمكّن حماس من التأقلم مع الظروف الجديدة والتكيف مع متطلباتها، من حيث القدرة على التجنيد والتدريب وصيانة الأنفاق وترميم الكتائب المتضررة، وهذه الخشية بدأت بالانتقال من المستويات القيادية الأدنى إلى القيادات الأعلى وصولاً إلى وزير الدفاع يوآف جالانت نفسه، الذى حذر «نتنياهو» من أنه سيعلن منفرداً أن الظروف أصبحت مواتية لتوقيع الاتفاق، ما سيضع «نتنياهو» فى موقف بالغ الحرج أمام الرأى العام الإسرائيلى والدولى على حد سواء، انطلاقاً من هذه المعطيات وبغض النظر عن طبيعة استقبال «نتنياهو» فى الكونجرس الأمريكى ونتائج هذه الزيارة، فإن موضوع الاتفاق سيكون مرتبطاً فى الجانب الحاسم منه بموقف الجيش والأجهزة الأمنية، دون التقليل من أهمية الضغط الشعبى المتواصل من أجل الوصول إلى الاتفاق المرغوب.

جيهان فوزي – الوطن نيوز

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى