آراءأبرز العناوين

لم يعودوا مهاجرين

تعود وتكرر أحزاب اليمين المتطرف فى أوروبا جملة ضرورة إعادة المهاجرين إلى بلادهم، ومنع دخول جدد إلى أوروبا إلا بقدر تحدده احتياجات دول الاتحاد، كما أنها تطالب بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أوروبا، وخاصة فرنسا، وتشديد الرقابة على الحدود لمنع تدفق المزيد منهم، كما تنوى عدم الاكتفاء بحبس مَن يرتكب نوعية من الجرائم، إنما سيتم ترحيله خارج البلاد، وهى كلها أمور ترى أحزاب أقصى اليمين أنها ستحل جانبًا من مشاكل أوروبا الاقتصادية وستسهم فى حل مشكلة البطالة.

إن مشكلة خطاب أحزاب أقصى اليمين فى أوروبا أن لديه موقفًا رافضًا للهجرة والمهاجرين، ولكنه ينسى أن كثيرًا من هؤلاء صاروا منذ جيل أو جيلين مواطنين أوروبيين، وأن بلدًا مثل فرنسا لم يعد أساسًا يواجه مشكلة هجرة ومهاجرين، إنما مشكلة مواطنين فرنسيين من أصول عربية وأجنبية.

إن إغلاق الحدود فى وجوه الأجانب أو اللاجئين قرار سيادى من حق أى دولة أن تتخذه أيًّا كان الرأى فيه، ولكن قرار التمييز بين مواطنين يعيشون فى البلد بسبب لون بشرتهم أو أصولهم العرقية يُعتبر عملًا ضد القانون وأيضًا ضد مواثيق حقوق الإنسان والأعراف الدولية، التى وقّعت عليها وفى بعض الأحيان وضعتها كثير من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا.

معضلة خطاب اليمين المتطرف أنه يعتبر صراحة أو ضمنًا «الفرنسيين المهاجرين» غير قابلين للاندماج بسبب خلفيتهم الثقافية أو الدينية، وأن العنف متأصل فيهم، وأنهم مسؤولون عن ارتفاع معدلات الجريمة فى أوروبا وفرنسا، وخاصة فى الضواحى.

معضلة اليمين المتطرف أنه لا يعتبر أن خطابه ودعايته السياسية مسؤولان عن دفع كثير من الفرنسيين من أصول مهاجرة إلى العيش فى «جيتوهات» مغلقة فى الضواحى الفقيرة، ويعانون التمييز فى الوظائف والبطالة بسبب لون بشرتهم أو أسمائهم، حتى لو حملوا الجنسية الفرنسية.

ولذا لم يكن غريبًا أن تعلن زعيمة حزب التجمع الوطنى، (اليمين المتطرف الفرنسى)، أنها تنوى إلغاء ارتداء الحجاب فى الأماكن العامة، ولن تكتفى بمنعه كما هو مطبق حاليًا فى المؤسسات الحكومية والعامة، لتصبح فرنسا أول بلد فى العالم تتخذ مثل هذا القرار فى حال وصل أقصى اليمين إلى الحكم.

مشروع اليمين المتطرف يزيد من سلبيات النموذج العلمانى الفرنسى، ويتجاهل إيجابياته الكثيرة فى دولة المواطنة والديمقراطية لصالح مشروع يسعى لإقصاء قطاع واسع من الفرنسيين لأن أصولهم عربية أو غير أوروبية، ويضع المزيد من العراقيل أمام فرص صعودهم فى السلم الاجتماعى والوظيفى.

ستتفاقم مشاكل فرنسا إذا وصل اليمين المتطرف إلى الرئاسة فى ٢٠٢٧ لأنه لن يواجه فقط قضية مهاجرين أجانب، هى محل نقاش وجدل فى كثير من دول العالم، إنما سيواجه مشكلة تمييز فى حق مواطنين فرنسيين، وهى مشكلة تمس قيمة المعاصرة ودستور البلد وقوانينه.

عمرو الشوبكي – المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى