تحقيقات وتقارير

“النصاب” و”الفاسق”.. صور نمطية سلبية في عالم الفن تثير سخط جنسيات عربية

قبل أيام قليلة، تم الإعلان عن قرب تصوير فيلم كوميدي من بطولة النجم المصري أحمد حلمي، يؤدي فيه دور محتال يمارس عمليات نصب في السعودية على حجاح مصريين، مما أثار الكثير من الجدل، وأعاد الحديث عن تقديم الفن لصور نمطية سلبية عن بعض الجنسيات العربية.

وهذا الأمر، وفقا لنقاد، ليس بالطارئ أو الجديد، فقد سبق أن أثارت أعمالا درامية وسينمائية الكثير من الجدل، ووُجهت لها اتهامات بالإساءة إلى شعوب عربية، فعلى سبيل أثار المسلسل الخليجي “زوجة واحدة لاتكفي” غضبا كبيرا لدى الرأي العام الكويتي، وفقا لتقارير الإعلامية.

وتعرض المسلسل لانتقادات بسبب تسليطه الضوء على الخيانة الزوجية وتعدد الزوجات والزواج “العرفي”، وهو ما اعتبره البعض “إساءة للمجتمع الكويتي”.

ومن الأمثلة الأخرى، فيلم “اللمبي” للفنان المصري محمد سعد، الذي أثار غضبا بسبب قيام فنانة تونسية نجلاء بدور راقصة تونسية.

ووفقا لوكالة فرانس برس، فإن الفيلم الذي أُنتج عام 2002، أثار وقتها استياء السفير التونسي لدى القاهرة.

ونقلت الوكالة حينها عن مصدر في وزارة الثقافة المصرية، أن السفير التونسي لدى القاهرة “قدم احتجاجا رسميا” إلى وزير الثقافة آنذاك، فاروق حسني، معتبرا أن “فيلم اللمبي تعمد تشويه الشعب التونسي”.

وقال المصدر وقتها إن السفير “طالب بحذف مشاهد من الفيلم تتضمن دورا لراقصة تونسية تحوّل منزلها إلى بيت للدعارة”، معتبرا أن “المخرج تعمد التأكيد على هوية الراقصة، مما نعتبره إساءة وتشويها للشعب التونسي”.

أما مسلسل “العار” المصري، فقد فجر، وفقا لموقع “هسبريس” المغربي، غضب الكثير من المغاربة، بعد أن جسدت فيه الفنانة المغربية إيمان شاكر، دور “بائعة هوى” يتصارع عليها تاجر مخدرات وثري خليجي.

ونفت مخرجة العمل، شيرين عادل، وجود أية نية مسبقة للإساءة إلى سمعة المرأة المغربية في مسلسلها.

وقالت في حديث مع محطة “دويتشه فيله” الألمانية: “تم تضخيم هذا الموضوع وأعطي أكثر مما يستحقه، فالمسألة لا علاقة لها بالمغرب وإنما بدور في مسلسل يمكن أن تؤديه أية ممثلة أخرى من جنسية مختلفة”.

وأيضا هناك أعمال اتُهمت بأنها أساءت للمرأة اللبنانية وقدمتها على أنها “حسناء لعوب” تغوي الرجال، وثمة مسلسلات قيل إنها أساءت لسوريين وعراقيين، وما إلى ذلك.
“القصة قديمة”

وفي حديثه إلى موقع “الحرة”، رأى الناقد الفني المصري طارق الشناوي، أن تقديم “صورة سلبية نمطية عن العربي الآخر في الدراما العربية ليس بالأمر الجديد، خاصة في السينما المصرية بفترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي”.

وأضاف: “اعتدنا أن نشاهد في الكثير من الأفلام المصرية شخصيات أثرياء من الخليج دون تحديد جنسية معينة، وهم في حالة ثمالة ويقدمون على تصرفات طائشة في الملاهي الليلية”.

وزاد: “وأيضا كانت هناك أعمال تقدم الخليجي على أنه ثري وعجوز متصابي يأتي للزواج من فتيات قاصرات بشكل عرفي، قبل أن يعود إلى بلاده تاركا خلفه مراهقة صغيرة لديها طفل”.

من جانبه، قال الناقد البحريني، طارق البحار، لموقع “الحرة”: “مثل ما كان يتم تصوير الإنسان المكسيكي في سينما هوليوود بأنه شخص ساذج أو متخلف جدا، فإن بعض الأفلام المصرية عمدت إلى تقديم صورا نمطية سلبية عن الشخصية الخليجية العربية”.

وتابع: “بعض الأعمال قدمت صورا إيجابية عن الخليجيين، لكن معظم الأعمال كانت تظهرهم بمظهر الثري الذي يلهث وراء النساء، ناهيك عن أن بعض الممثلين المصريين كان يجسدونه بشكل كوميدي من حيث اللباس وتقليد اللهجات”.

أما الناقد والصحفي الفني، أسامة ألفا، فرأى في حديثه إلى موقع “الحرة”: “أن الضجة التي تثار وراء بعض الأعمال العربية، خاصة ذات الإنتاج المشترك، تقف وراءها جهات أو أطراف لا تريد للدراما العربية أن تتطور أو تستمر في تألقها”.
“بين نونو.. وسوسو”

وإذا كان فيلم “النونو” المرتقب للنجم أحمد حلمي، قد فجر غضب بعض النجوم والكتاب المصريين، فإنه في المقابل قد وجد من يدافع عنه وعن ضرورة أن يعكس الفن “حقائق الوقائع” بعيدا عن المبالغات النمطية سواء كانت إيجابية أو سلبية

وكان الفنان المخضرم محمد صبحي، قد هاجم فكرة الفيلم، وقال في منشور ساخر على مواقع التواصل الاجتماعي: “عيب، عيب، سمعت عن تصوير فيلم جديد هنا في القاهرة اسمه سوسو و(يتحدث) عن رجل سعودي يأتي إلى القاهرة في شهر رمضان الكريم، يسكر بالفنادق والكباريهات ويلعب القمار وعندما خسر كل أمواله بدأ ينصب على المصريين ويسرقهم بطريقة كوميدية”.

من جانبه، وجّه الروائي والكاتب المصري سامح عسكر، رسالة لرئيس هيئة الترفيه في السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، باعتباره هو من أعلن عن إنتاج فيلم حلمي الجديد.

وقال عسكر في تدوينة على منصة “إكس”: “بعد التحية والاحترام، هل تتفضل سيادتكم بقبول صناعة فيلم عن بطولات القائد المصري العظيم (إبراهيم باشا) ابن محمد علي في القرن 19، خصوصا وهو يُخضِع الحركة الوهابية؟”.

وتابع: “علمت أن سيادتكم يريد صناعة فيلم عن المصريين القدماء، وهذا يعني اهتمام حضرتكم بالتاريخ، فلا يوجد أهم من مؤسسي مصر الحديثة، محمد علي باشا وولده إبراهيم”.

وكان عسكر يشير بذلك إلى الحملة التي شنها إبراهيم باشا سنة 1818، وأدت إلى سقوط الدولة السعودية الأولى.

في المقابل، رد الناقد المصري محمود عبد الشكور، على الانتقادات المتعلقة بالصور النمطية في الفن، بقوله: “وفقا للنظرية النقدية الجديدة، التي تضع الأعمال الأدبية والفنية على مؤشر الإساءة لسمعة بلادها، أخشى أن يعتبروا (البؤساء) إساءة لسمعة فرنسا، وكتابات ديستويفيسكي العظيم عن المستذلين والمهانين إساءة لسمعة روسيا، وكتابات ديكنز عن أولاد الشوارع إساءة للإمبراطورية البريطانية”.

وتابع في منشور له على موقع “فيسبوك”: “وربما يرى البعض في رواية (الجذور) وفي أفلام سكورسيزي إساءة لأميركا، وقد يرى البعض في فيلم (سارقو الدراجة) إهانة لإيطاليا، وفي فيلم (الطفيلي) إهانة لكوريا وشعبها الشقيق”.

وختم بالقول: “أنا بقول (أرى) نلغي الفن والأدب، ونحافظ على سمعة العالم أفضل.. زمن العجب والعبث”.
“لا إفراط ولا تفريط”

من جانبه، رفض الناقد الفني الشناوي، في حديثه إلى موقع “الحرة”، “تقديم شخصيات عربية في أي دراما عربية محلية أو مشتركة بطريقة نمطية جامدة”.

وتابع: “لا ينبغي أن نقدم تلك الشخصيات بطريقة الأسود أو الأبيض، فنحن لسنا ملائكة، ويمكن تقديم الفن بطريقة واقعية تنقل حقائق ووجهات نظر دون استفزاز وإهانة”.

وأردف: “لا يجب أن نقع بالفخ الذي وقعت فيه هوليوود وبعض الأفلام الأوروبية التي اعتادت أن تقدم الإنسان العربي والمسلم على أنه إرهابي ودموي وكائن جنسي متزوج من 4 نساء، ولا يرى حلا سوى في قتل وتدمير الآخرين”.

أما البحار، فأوضح لموقع “الحرة”، أنه “مع دخول السعودية مجال الإنتاج الفني عبر هيئة الترفيه، وبإشراف هيئة الأفلام ووزارة الثقافة في المملكة، أصبح الفيلم المصري يحترم شخصية الإنسان الخليجي”.

وضرب مثلا فقال: “يعتبر فيلم (عندليب الدقي) للفنان محمد هيندي، من أوائل الأفلام المصرية التي بدأت تعطي صورا إيجايبة عن شخصية الخليجي، من خلال تصوير معظم أحداثه في مدينة دبي التي تشهد نهضة عامرة في كافة المجالات”.

وشدد على أن ذلك الفيلم “أسند دورا مميزا للنجم الكويتي داود حسين، وذلك بعد أن كان الفنان الخليجي قبلها يأخذ أدورا سلبية ونمطية في الكثير من الأحيان”، حسب رأيه.

من جانبه، اعتبر الناقد الفني السوري أسامة ألفا، أن الضجة التي أثيرت حول فيلم حلمي “مفتعلة”، مضيفا: “لو كان جرى تقديم النصاب من جنسية أخرى لما حدثت تلك الزوبعة”.

وأضاف: “الهدف من تلك الضجة هو ضرب التقارب والتعاون الفني بين السعودية ومصر، وهنا أذكّر بأن فيلم (أولاد رزق: القاضية) كان قد أثار ضجة مشابهة لأن الكثير من أحداثه تجري في الرياض، ومع ذلك حقق نجاحا باهرا لدى المشاهدين العرب”.

وخلص ألفا إلى أن “تلك الأعمال المشتركة بين السعودية ومصر وغيرها من الإنتاجات العربية المشتركة، تحمل في الكثير منها تألقا وإبهارا على المستوى الفني والثقافي والاجتماعي، مهما حاول البعض التأثير عليها أو التقليل من شأنها”.

يشار إلى أن موقع “الحرة” حاول التواصل مع الهيئة العامة للترفيه بالسعودية للحصول على تعقيب عبر الهاتف، دون أن يتسنى له ذلك.

الحرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى