التنظير الإعلامي

ظهرت فكرة التنظير الإعلامي مع بداية ظهور وسائل الإعلام وبروزها في بداية القرن العشرين، حيث بدأت وسائل الإعلام الجماهيرية مثل الصحف والراديو في أخذ حيز كبير في المجتمعات التي ظهرت فيها، وأصبحت تؤثر بشكل كبير في الأفراد، لكن مع مرور الزمن تطورت النظريات والطرق والوسائل وأصبحت تستخدم لكثير من الأغراض.

ويعتبر مارشال ماكلوهان من أفضل من وضع نظريات في هذا الإطار عندما وضع نظرية «وسائل الإعلام هي الرسالة» والتي أكد فيها على أن طبيعة الوسيلة الإعلامية تؤثر بشكل كبير على المجتمعات والثقافات بحسب طبيعة انتشار هذا النوع من الوسائل، فمثلاً في مجتمع متحضر يكثر فيه استخدام الانترنت اليوم تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإخبارية والمواقع الالكترونية مؤثرة، بينما انحسر دور الإذاعة بشكل كبير، وفي مجتمعات لا يتوفر فيها الانترنت بشكل كامل لا زال للإذاعة دور كبير في التأثير.

وإدارة عمليات التنظير الإعلامي يعتمد على مجموعة كبيرة من النظريات والمفاهيم التي تساعد على تنفيذ عمليات توصل الجهة المسؤولة عن التنظير لتحقيق أهدافها مثل امتلاك القوة والنفوذ، ونشر الإيديولوجيا، وبناء التحيز، والتأثير التكنولوجي على الإعلام وإدارة الرأي العام وغيره الكثير.

وتتعدد تطبيقات التنظير الإعلامي في مجالات مختلفة. في السياسات العامة، حيث يمكن استخدام النظريات الإعلامية لفهم كيفية تشكيل الرأي العام وتوجيهه. وفي مجال الأعمال، تساعد هذه النظريات في تصميم استراتيجيات تسويقية فعالة. بالإضافة إلى ذلك، في البحوث الأكاديمية، تساهم النظريات الإعلامية في تطوير أبحاث تتناول تأثير الإعلام على المجتمع والثقافة.

وهناك نظريات كثيرة في التنظير الإعلامي أبرزها نظرية الرصاصة السحرية التي تفترض أن الرسائل الإعلامية تؤثر مباشرةً على المتلقين كأنها «رصاصة» تُطلق وتؤدي إلى تأثير مباشر وفوري، ونظرية الاستخدام والإشباع والتي تركز على كيفية استخدام الأفراد لوسائل الإعلام لتحقيق احتياجاتهم ورغباتهم، سواء كانت نفسية، اجتماعية، أو معلوماتية.

والتحدي الأكبر الذي يواجه عملية التنظير اليوم يكمن في انتشار الماركسيين الجديد، أو المنظرين الجدد في وسائل التواصل الاجتماعي، الذين قاموا بقراءة سطرين في كتاب، فأصبح منظراً فيه، فتجد كمية المواد التي تبحث في الدين والتاريخ والثقافة تنتشر بكمية هائلة من المعلومات المغلوطة، يتنشر الخاطئ منها بشكل كبير، ويؤثر، ولا يحظى الاعتذار اللاحق أو التصويب بنفس الانتشار، بل إن بعض المنظرين في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يأبى الاعتذار، فيكتفي بالحذف بعد أن انتشر كل شيء.

وفي التنظير الجديد اليوم أيضا نجد أشخاصا يحملون شهادات عليا في مجال معين، فيفتح حساباً في وسائل التواصل الاجتماعي وينظر في مجاله «بحكم أنه يحمل شهادة عليا» ولا يمكن الرد عليه، فينشر معلومات كثيرة خاطئة، فيشكك الناس في ثوابتهم، ويصيب بالضرر أفراداً ومجتمعات، ليس لأنه ينشر معلومة خاطئة فقط، بل لأن ثقة الناس بحكم تخصصه أو شهادته تعطيه مصداقية أكبر لديهم يتبعونها دون بحث، ودون معرفة أن كثيرا من حملة هذه الشهادات العليا، استلموها بالبريد ولا يعرفون شيئاً عن علمها.

يظل التنظير الإعلامي أداة حيوية لفهم تأثير وسائل الإعلام في المجتمع. من خلال دراسة النظريات المختلفة، على أن رد الفعل مقابل هذه الدراسة يعتمد على المجتمع الذي تقام فيه، فهناك من يدرس ليطور ويزيد المجتمع وعياً وتحضراً، وهناك من يدرس ليمتلك القوة والسلطة ولو على حساب وعي المجتمع وحريته.

عبدالعزيز آل اسحاق – الشرق القطرية

Exit mobile version