«الثّلاجة الذّكية» المجتمع والذكاء الاصطناعي

سبقتني أختي إلى أحد متاجر الأجهزة فوجدت الثلاجة الذكّية التي كنت قد استبشرت يوما بها فوضعت خبر إنتاجها عالميا في حساباتي… لم أتوقع وقتها أن تصل الدوحة بهذه السرعة.

قالت: قومي!! قلت: ماذا؟

الثلاجة وصلت؟ صج؟ الدوحة؟ بل الوكرة!! شوفي الواتس..

فوالله لولا صوتها في مقطع الفيديو لما حسبت الصورة إلا جزءا من إعلانات المنصات التي تداهمني ليل نهار؟ فكيف إذا بها وهي في متجر أجهزة؟ وفي الوكرة الأصغر من العاصمة؟ شكرتها وتمنيت أن يأتي الغد بسرعة… فلعلها وصلت مع القرين التكنولوجي قبل أن يرتد إلينا طرفنا.

رغم إنشادي لراحة البال قبل أن أخلد للنوم.. لأهنأ بشيء من قبيل قراءة ديوان شعر إلا أنني أدخل في متاهات قرار «ما هو غداء الأسرة غدا؟»

سرحت فتخيلت الثلاجة تسولف معي كل ليلة عن النواقص فتعينني على تحديد جدول الوجبات قبل كساد المواد التي صرفت عليها ما صرفت خصوصا وإن منها المكلفة العضوية أو الخالية من الجلوتن….. مع أملي أن تجمع لي معلومات أعمق بناء على طريقة سيري والكسا واخواتهما الاستخباراتيات! عفوا! – أعني الأذكياء- فتحدد لا الموجود من عدمه فحسب بل نوع الحليب الموجود فيها إذا كان قليل الدسم أو منزوع اللاكتوز. وهي هنا في بيتنا طرف ثالث لها رقم شخصي سحابي و IP خاص بها تشارك البيانات في خوادم.. أي تتلصص علينا بلا شكّ، مع عمق وخطورة ما تعنيه كلمة Intelligence باللغة الإنجليزية، علما بأن استخبارات المعدة أهم من استخبارات العقول.

ما إن أدركت الصباح حتّى هرعت إلى المتجر… فوجدت ست الحسن المذكورة أعلاه – المنقذ – وأنا أعاني مع من علمتهم تقديم ما حقّه التقديم في استراتيجية الثلاّجة، فقضوا دهرا يقدمون ما حقّه التأخير دون جدوى فيصفّونه في المقدمة ويستخدمونه قبل غيره حتّى تنتهي صلاحية ما في الخلف رغم معاناتي اليوميّة في الترتيب وتكرار الدرس الشامل كل جمعة مع مصفوفة الثلاّجة التي بدت أصعب من مصفوفة ديكارت وأتعب فيها أكثر تعبي في محاضراتي في الجامعة باختلاف اللغة والجمهور.

فرحت بالثلاّجة الذكيّة وكدت أن آخذ سلفي معها!! فرحة ذكرتي بأول استقبال شعبي لجهاز فيديو VHS وكأننا في زفّة «يا معيريس عين الله تراك» وأول فرحة بكمبيوتر عربي «صخر» أحضره والدي وبدأنا معه الطباعة العربية.

طالما تمنيّت أن توفر علّي وقت وجهد معارك تافهة أخرج منها منهزمة ويعوج لساني بعربية أو إنجليزية مكسّرة! أو بهزّ الرأس في جدل لا ينتهي «ليش ما تقولين انه مخلص؟ او بتنتهي مدته»!! تفحصتها وكأنني أتفحص عروسا، فوجدتها وكأنها آيفون تحدد موجوداتها بالصور على شاشتها الخارجيّة.. والتطبيقات! يا سلااااااااااام!! وما أدراك ما التطبيقات؟

وبلهفة سألت البائع: وماذا عن تحديد مدة الصلاحية والتواريخ والكميّات؟…وأنا أتمنى أن تساعدني في تقليل نسبة الفائض وتلف المنتجات فضلا عن تركيز الوقت في حسن إدارة شؤون المنزل دون إسراف أو هدر؟ واستغلال وقت نافع لأعمال أخرى تتطلب طاقتي….وهذه ليست أمنية المرأة العاملة فقط بل جميع ربّات البيوت… فلا يدّعي أحدٌ الكمال فمنزل بعض النساء غير العاملات يقرر فيه الطباخ/ة ماذا يأكل الجميع؟ أما الآن في عصر الذكاء الاصطناعي فقد تقرّره الثلاّجة!! المهم ألا تحملوا بياناتكم ثلّاجاتكم فتنقلها الحوسبة السحابية في مشاركة البيانات على IP أجهزة بيوت الجيران الفيزيقيين والميتافيزيقيين!!

عدت وسألت البائع سؤالا أكثر أهميّة: لا كغيرها من أذكياء البشر- هل تفرّق الثلاّجة بين الكزبرة والبقدونس؟حتى لا أفاجأ بأحدهما في طبخة ليست لها فتفشل ويتفرق اجتماع الأسرة على مائدة بسبب كزبرة!! وحتى أكون في النهاية أمّا وزوجة ناجحة فلا ينهرني أحدهم: زيتون لبنان خلّص؟ ما في حليب لوز ولا OAT Milk؟ كلّ ذلك – وأنا المغلوبة على أمري- أمثّل دور مصباح علاء الدّين حتى لو طلبوا منّي لبن العصفور، وأندب الساعة التي سمّي فيها معصور اللوز أو معبوج الشوفان حليبا.

ليست خيالا علميا بل ضرب من الواقع..

الثلاجة فاقت توقعاتي.. ALL in on في شاشة الكترونية بدءا من التنبيهات ومعرفة من على باب المنزل من عين الكاميرا إلى تطبيقات مكتملة من مفكرة يومية وجدول ومخطط للوجبات، وتلفزيون واستيريو صوتي، وتحميل أفلام إلى البوم صور وجاليري بل وتطبيق الطبخ، وحالة الطقس الذي ربّما وضع ليحدّد متى يؤكل المجبوس من شلاني الدجاج!!

ستذهل بتطبيق قائمة المشتريات واللوحة البيضاء التي ستغنيك عن لصق المفكرات فضلا عن Tips و To do list. والأهم من ذلك كلّه أنك تستطيع ان تتحدث مع ثلاّجتك ليل نهار وتطلب كوب ماء بالثلج وأنت ماشي.

وماذا؟ تخيلوا…. موجز الصباح!! وما ظننت أن للثلاجة نشرة مثل الجزيرة!! وما ظننت أن أحلام المنام يقين!!

وكيف أصبح الحلم إرهاصا للمستقبل!!

هل شاهد أحدكم فيديو أغنية قديمة في حضانة أطفاله: يا براد يا براد ما اسمك؟…. اسمي برّاد آلي!!

المعرّبة عن أغنية Cute Friend Refrigerator

Refrigerator…. Refrigerator

yes, papa….

Do you have water???

Open your doors? Haa Haa haa

افتحوا يوتيوب وتفحصوها، فالثلاجة تحدثت وفتحت الأبواب وأفصحت عمّا فيها..

وما علمنا – نحن العرب المستهلكين – أن انشودة الحضانة التي ترجمناها ترجمة حرفية ما كانت إلا استشرافا للمستقبل.. ودرسا لنا بعد اليوم على ضرورة تعهد أنفسنا وأبنائنا على تحليل الأدب والفن والبيانات الضخمة Big Data بدلا من ترديدها مثل الببغاء.

الحديث هنا ليس اجتماعيا بل علمي وإستراتيجي..

إنترنت الأشياء IOT دخل حياتنا منذ زمن ثمّ تطور تطورا كبيرا، فجولة واحدة في قطر تطلعنا على الادوات الذكيّة التي تجعلنا مهيئين لندير ونتحّكم بأجهزتها في بيوت ومدن ذكيّة. الثلاجة الذكيّة مثال صغير فقط على الذكاء الاصطناعي نشترك فيه جميعا متعلمين وغير متعلمين في حلقة أكبر ينبغي أن تتوسّع مداركنا فيه لا لاستهلاكه فحسب بل لفهمه والمشاركة في صناعته وانتاجه.

والسؤال:

مع التحول الاستراتيجي في بنية الذكاء الاصطناعي وأدواته، هل هيأت قطر شعبا ذكيّا بمعايير عاجلة ومنتجة وآمنة رقميا؟ وماهي استراتيجية قطر الوطنيّة في الذكاء الاصطناعي على المستوى الشعبي؟

في عالم البقاء للأسرع.. لعلّ أول إجابة على المستوى الشعبي سيحسمها اختبار الثلاّجة..

د. مريم بنت راشد الخاطر – الشرق القطرية

Exit mobile version