تحقيقات وتقارير

مجلة فورين بوليسي: مستقبل أوروبا الأمني على المحك

أدركت أوروبا أخيراً بعد فوات الأوان أن فترة السلام النسبي الطويلة التي شهدتها منذ عام 1945 إلى 2022 كانت بمثابة طيف. ففي كل عاصمة أوروبية اليوم، يبدو المزاج الشعبي مختلفاً بشكل صارخ عما كان عليه قبل الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ومن برلين إلى بروكسل، يتسابق القادة لترميم بنيتهم التحتية الدفاعية وتحديث جيوشهم، حيث ظل كل منهم يعتمد لفترة طويلة على الغطاء الأمني الأميركي الذي لم يعد مضموناً. وعلى الرغم من خطورة هذه اللحظة، فإن محاولات أوروبا تشكيل جبهة موحدة، تشبه وعاء يحتوي على العديد من الثقوب. ففي بلغراد وبراتيسلافا وبودابست، ركب الزعماء القريبون من الكرملين موجة من المعلومات المضللة وإثارة المخاوف من أجل انتخابهم أو بقائهم في السلطة. وقد أدى نجاح الأحزاب اليمينية المتطرفة في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو إلى زيادة المخاوف بشأن استقرار القارة.

ومن وجهة نظر أوروبا، أصبح العالم مكاناً خطراً، فإذا فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية ثانية رئيساً، فقد يفعل ما يقوله ويسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أكبر تحالف أمني في العالم. وحتى إذا لم يفز ترامب، فمن المرجح أن تركز واشنطن أكثر على بكين، وبدرجة أقل على بروكسل. وتراقب بلدان أخرى تدهور العلاقات القديمة في أوروبا، وتتطلع إلى الاستفادة من ذلك. ففي بداية أول جولة أوروبية له منذ عام 2019 زار الرئيس الصيني شي جينبينغ، فرنسا والمجر وصربيا، وهي الدول التي ترغب في الاستقلال الاستراتيجي أو ترغب في تقويض أولويات الاتحاد الأوروبي و«الناتو». ومع ازدياد ضعف أوروبا، فإن بقية العالم ستتطلع إلى تقسيم القارة وغزوها.

فكيف يبدو مستقبل أوروبا بالنظر إلى هشاشة أمنها وضعف تحالفاتها؟ هذا هو السؤال الذي طرحناه على تسعة من المفكرين المؤثرين في مجلة «فورين بوليسي». وفي هذا السياق يدعو وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي، جيرانه إلى أن يحذوا حذو وارسو ويضاعفوا إسهاماتهم الدفاعية الرائدة في «الناتو». ويرى أن أوروبا «يجب أن تنفق المزيد حتى تتمكن هذه الكتلة الديمقراطية العالمية من الحفاظ على نفوذها وأسلوب حياتها». ويضيف رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلت، إلى هذا التحذير قائلاً: «مثل سقوط سايغون وسقوط كابول، فإن النصر الروسي في أوكرانيا سيُنظر إليه في مختلف أنحاء العالم باعتباره علامة واضحة على تراجع قوة الولايات المتحدة، وسيدفع هذا حتماً إلى تزايد شهية المغامرة لدى العديد من الجهات الفاعلة».

وفي مقال منفصل، يقدم عالم السياسة هال براندز نظرة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. لقد تغيرت أوروبا كثيراً منذ الحرب العالمية الثانية، حتى إن الأميركيين «نسوا كم كانت تبدو القارة يائسة في الماضي البعيد». ويرسم براندز بعض السيناريوهات بالنسبة لأوروبا إذا انسحبت الولايات المتحدة من «الناتو»، ويقول: «في الواقع، إذا كان هناك درس من ماضي أوروبا، فهو أن الانهيار يمكن أن يأتي في وقت أقرب ويكون أكثر حدة مما يتصوره البعض».

وفي التاسع من يوليو سيجتمع الزعماء من جميع أنحاء أوروبا في واشنطن لحضور قمة بمناسبة الذكرى السنوية الـ75 لتأسيس حلف «الناتو»، ولن يكون الأمر احتفالاً بالماضي عندما يكون المستقبل على المحك.

رافي أغراوال

رئيس تحرير «فورين بوليسي»

صحيفة الامارات اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى