آراء

رابطة المرأة القطرية..ليست «شنطة» ولا «ماركة»

حاولوا إقناعنا أن المرأة لن تثبت ذاتها إلا بتحدي الرجال في ملاعبهم، وأنَّ تَحفُّظها يحرمها إطلاق طاقتها في العطاء، ويمنعها المشاركة في البذل والبناء، وفي هذا الاتجاه سار قطار التغريب مُحمّلًا بتلك الفكرة كإحدى مُسَلَّمات العصر.

لم يدر في خلدي في أيّامي الأولى في قطر، أنني سوف أعاين ما ينسف تلك الحتمية، وأرى بأمّ عيني وجودًا نسائيًا فاعلا تحرّر من كل هذه الأوهام، ووقف بثبات أمام ترهات الإلزام بما لا يلزم، نساءٌ دققنَ صدورهن: «ها نحن ذا» وأحدثن فرقا حقيقيا تفخر به امرأة تبحث عن أمثالهن وصُحبتهنّ في مضارب أهل الإسلام والعرب.

دُعيتُ على قدرٍ إلى محاضرة نظمتها رابطة المرأة القطرية، وما بين دخولي وخروجي لم تكف نسائم البشريات، إذ كنت في مجتمع نسائي يجسد غاية لطالما استشرفتها ولطالما تراءت لي على جناح أمنياتي: أن أرى مجتمعًا نسائيًا محافظًا مُعتدّا بجذوره وأصول دينه وبعاداته وتقاليده وما كانت عليه الجدّات المتوجسات من رياح قد ترفع طرف الثوب الثقيل أو تحمل أصواتهُنّ المُهدّجة بالذكر وبالصلاة على النبي؛ إلى مجالس الرجال..

تجمّع نسائيّ يعمل كخلية نحل من أجل الإصلاح والنهوض، بعيدًا عن سطوة المد التغريبي وطوفان الأفكار الوافدة الدخيلة، ودون الحاجة للتمحور حول الذات الأنثوية واعتبار العلاقة مع الرجل علاقة تنافسية أو إقصائية على مبدأ إما نحن أو هم.

إن سجلت في تلك السطور مشاهداتي عن سمت هؤلاء النسوة، فإن أول ما جذب انتباهي كونهن من المُتمكّنات ماديا وعلميا وفكريا ووظيفيا بل ومن بنات القبائل العريقة ومن اللاتي لم يُقعدهن ثراؤهن المعنوي والمادي عن السعي إلى معالي الأمور.

يصفهن أصحاب النظرة الضيقة السطحية بأنهن «شنطة وماركة»، والوصف تجاوزهنّ أيضا وامتدّ ليشمل بنات وزوجات أهل السلطة والمال في دول الخليج عموما، نعم لديهن حقائب مرتفعة الأثمان ويرتدين الماركات الغالية وروائح بيوتهنّ تشرح الصدر، لكنها نصف الحقيقة، والنصف الآخر الذي تكتمل به الحقيقة، أن هؤلاء النسوة اللاتي يمثلن صفوة المجتمع ذوات همم عالية وطاقة حقيقية واضحة على البذل وفعل الخيرات بل وبعيدا عن التباهي والتفاخر وفلاشات الكاميرات، يغلب عليهن حب الدين والعبادة، والتفاعل مع قضايا الأمة عموما، رأيت نساء يجلسن بعد الصلاة للذكر والدعاء، رأيت الدموع تسيل على وجناتهن لموقف سمعنه عن بذل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أو لموقف مات فيه أحد الصالحين في سبيل كلمة حق.

نعم إن كان ولا بُدّ، فهُنّ «شنطة وماركة» مُتنعمات يُحببن الحياة وما أُوتينَ من فضل الله، لكنهن أهل خير وبذل وعطاء بل وإيثار، فلا أراني أصفهن إلا بما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعم المال الصالح للمرء الصالح).

جذب انتباهي حماسهن وحرصهن على فتح مسارات موضوعية للعمل الإصلاحي والخيري والتوعوي، إضافة إلى التنوع ما بين مسارات تخدم المجتمع القطري بشكل خاص، وقضايا الأمة وجراحها وأزماتها بشكل عام وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

دفعني ذلك اللقاء للبحث والقراءة عن أنشطة الرابطة، فألفيتها أنموذجًا يُحتذى به في الأوساط النسائية، هي رابطة ثقافية اجتماعية أهلية غير حكومية تعتمد على الجهود الذاتية، فهي لا تكلف الدولة شيئًا، تهدف إلى التواصل مع الروابط العربية والأجنبية داخل قطر وتعريفها بالثقافة الإسلامية والعادات القطرية، وتعمل على تفعيل دور المرأة القطرية في مجتمعها وجعلها عنصرًا إيجابيا، وترصد السلبيات والأزمات المجتمعية لتسهم في علاجها.

تعمل الرابطة من خلال لجان متعددة المهام، بصورة شمولية تتضمن التثقيف وتنمية المهارات والتوعية وغيرها، وعدم إهمال الجوانب الحياتية، وتعمل على استيعاب طاقات القطريات وتوظيفها في مسارات فاعلة تتناسب مع قدراتهن.

من خلال هذه الرابطة، انطلقت حملة «أظهر احترامك»، بهدف دعوة المقيمين في قطر لاحترام تعاليم الدين الإسلامي والثقافة القطرية، والتوعوية بملابس الاحتشام، وكان لها إبان كأس العالم الذي أقيم في قطر 2022 أنشطة بارزة في التعريف بالتراث من خلال المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا».

وانطلاقا من اعتمادها مبدأ التلاقح الثقافي للتعريف بالتراث والقيم القطرية، تستضيف الرابطة عقيلات السفراء في قطر، وقد كان له أثر إيجابي كبير، حيث أسهم في تعريف الوافدات الأجنبيات بطبيعة المجتمع القطري وقيمه وكيفية التعامل مع أفراده وعاداتهم وتقاليدهم.

ومن الأنشطة التي قامت بها الرابطة تجاه العدوان على غزة بعيدًا عن التنظير والشعارات التي لا تسمن من جوع، تنظيم مبادرة «شدوا بعضكم» مع نساء غزة المتواجدات في قطر والمُرافقات لبعض الجرحى من نساء وأطفال، وتعليمهن مهارات الحاسب الآلي والجرافيك والخياطة والعديد من المهارات التي تسهم في بنائهن مع توفير الأدوات اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.

في النهاية أجدني لم أكتب شيئا بحق الرابطة لضيق المقام، لكن يسعني في ذلك مقامات أخرى، غير أنني أتوجه بالشكر للقائمين على الرابطة لهذه الدعوة الكريمة التي وُجّهت إلي، والتي خفّفت عني الكثير من توجّس البداية في بلد أحببته ودافعتُ عنه من قلبي قبل قرار الإقامة فيه بسنوات طويلة، لأدرك أن نساءنا المُتميزات -بفضل الله- لا زلن بخير، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إحسان الفقيه – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى