آراء

المرآة الخلفية

لا يخلو ذو عقلٍ من التفكر والتدبر والاستنباط قبل اتخاذ أي قرار أو استنتاج أي نتيجة، تلك نعمة فضَّل الله بها الإنسان على سائر المخلوقات، إلا أن مستويات التفكير وظروفه متعددة ومتباينة بين الناس، وبغض النظر عن تباين الاهتمامات من فرد لآخر، فإن البعض لديه فرط تفكير وهو ما يعرف بانشغال العقل بالتفكير بطريقة مبالغ فيها لدرجةٍ مَرَضِيَّةٍ قد تؤثر على نمط حياته أو تعيقه عن اتخاذ القرار في الوقت المناسب، وذلك ليس بأقل سوء ممن يستعجل في اتخاذ القرار قبل دراسته بشكل جيد، فعواقب كلاهما قد تكون سلبية، لذا يجب أن يُبعد هؤلاء عن منصة اتخاذ القرار.

وهناك مستوى آخر من مستويات التفكير يستغرق من خلاله الفرد في مشاهدة التفاصيل وتحليلها وخصوصًا تلك التي لها ارتباط بسابق خبرته، تلك التفاصيل تستهويه لأنها تذكره بالماضي أو لأنه لا يتقن سوى التعامل معها، في حين أنه بحاجة للرجوع إلى الوراء قليلًا حتى يرى الصورة كاملةً فيُدرك ما تعنيه تلك الجزئية التي انشغل بها عن المشهد الكبير، وما إذا كانت تستحق كل ذلك الوقت والاهتمام أم لا، كل ذلك ينسب لضيق الأفق وتواضع الإمكانات وضحالة التفكير، وأي قرار يتخذ عبر هذا النمط سيكون إما منحازًا أو غير موضوعي.

أما عن ظروف التفكير فلا تخلو من ثلاثة، إما في الماضي أو الحاضر أو في المستقبل، والإنسان بحاجة لها جميعًا ولكن بمعدلات متباينة، فليس من الحكمة أن نعطي كل الوقت للتفكير في الماضي على حساب الحاضر والمستقبل والعكس صحيح، وأهم تلك الظروف على الإطلاق هو الظرف الحاضر، فهو بالرغم من هيمنته على قرارات اللحظة التي نعيشها، إلا أنه يستفيد أيضًا من دروس الماضي لرسم ملامح المستقبل، فعلينا أن نتفاعل مع الحاضر بطريقة ملائمة كي يضمن لنا مستقبلا أفضل، فاختياراتنا اليوم هي من سيحدد مصيرنا في الغد.

أما الظرف الماضي فقد انقضى بخيره وشره وأصبح في سجلات التاريخ وخارجا عن سيطرتنا، لكننا بحاجة ماسة لاستخلاص الدروس والعبر حتى تساعدنا في إدارة شؤون حاضرنا والتخطيط لمستقبلنا، فنحن بحاجة لأن نسترق النظر إلى تلك الصفحة من سجل الماضي التي تحاكي ما نقوم به في الحاضر كي ننتفع بدروسها فنتجنب الأخطاء ونفعل الأشياء الصحيحة، لا أن نستغرق في تصفح سجل الماضي دون حاجة كما نفعل مع تطبيقات التواصل الاجتماعي فنهدر طاقاتنا على شيء لم يعد تحت سيطرتنا.

وختامًا علينا أن نتعامل مع الماضي كما نتعامل مع المرآة الخلفية للمركبة، نسترق النظر كي نتأكد فقط من حركة المرور خلفنا ثم نعيد النظر للأمام كي ندير حاضرنا ومستقبلنا بوعي تام.

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى