آراء

باتمان الطائر

لأول مرة في حياتي وتحديدا منذ أن بدأت أكتب مقالاتي اليومية في هذه الصحيفة العريقة والتي أعتبرها بيت أفكاري وملاذ قلمي الذي نشأ بين حناياها الواسعة أختار عنوانا لمقالي قبل أن أباشر في مد سطوره وكلماته والتي عادة ما تتجاوز الـ 500 كلمة على غير المطلوب، ولكني أعرف أن قلمي يكون مدللا في (الشرق) التي تدلل جميع صُنّاع الكلمة والفكر لديها، ذلك أن المشهد الذي رأيته قبل لحظات وأنا أعود أدراجي لمكتبي بعد مهمة عمل رسمية خارجه جعلني لوهلة أقف وأتابع تفاصيل المشهد الذي أراه يختصر كل مقال أمامي ويجعلني بذلك التحفز الذي جعلني أطلق العنان على غير عادتي قبل أن أكب سلة أفكاري في مقال أخرجني اليوم من دائرة هموم وآلام غزة إلى دائرة باتت تتسع اليوم في مجتمعنا ومن المؤكد في المجتمعات الخليجية المحافظة وهو ظاهرة (العباءات الطائرة) التي تمثلت امامي قبل قليل من خلال مشهد لمجموعة موظفات دخلن معي البرج، وكأن لا دخل لهن بالعباءات اللاتي يلبسنها في شيء بحيث ظهرن وكأن كل واحدة منهن تمثل باتمان الطائر الذي يبدو في سلسلة أفلامه وحلقاته التلفزيونية الكرتونية وكأن عباءة سوداء واسعة تلاحقه وهي منفرجة بزاوية 120 وكأنها ظله ولا دخل له بها وهذا بالضبط ما رأيته قبل قليل من عباءات تطير مع الهواء فلا تستر بدنا أو تخفي عيبا للأسف مما جعلني أتساءل بجدية:

لم العباءة يا هؤلاء إن كانت لا تلملم أطراف الملابس الضيقة التي حُشرن في داخلها؟!

لم العباءات التي لا تحف جسد المرأة بصورة يجعلها محشومة وملتفة بإحكام حوله تماما كما هي منسوجة له؟!

ما فائدة تلك العباءة إن كانت تطير وراء الفتاة فتنكشف تفاصيل جسدها التي كان للعباءة أن تسترها أولا؟!

ألا يكفي ما ابتُلينا به من عباءات ملونة بألوان الربيع الزاهية التي تلفت النظر وباتت مستوحاة من أفكار المصممين وكأننا في مسابقة لأكثر الألوان بهاء وزهوا على غير ما ألفناه من عباءاتنا السوداء التي نشأنا وتربينا عليها ومن باب عاداتنا وتقاليدنا ولا أقول الدين لكيلا يفسر أصحاب الفكر الضيق أن الحشمة هي في العباءات السوداء فقط لأنني أتحدث من منظور ديني استمدت تقاليدنا منه عاداتنا وقيمنا ومفاهيمنا التي كانت عليه أمهاتنا من قبل؟!

ليهدأ مثل هؤلاء اللائي يردن من جهة ألا يخرجن عن العرف والعادات والتقاليد ومنهج الأسرة المحافظ وفي نفس الوقت يردن أن ينطلقن إلى انفتاح أكبر من لبس عباءة تستر الجسد من خارجه ولا تكشف داخله بالصورة التي باتت تتسع وتأخذ أشكالا غريبة نراها اليوم في المولات والمجمعات والشوارع وفي كل مكان، ناهيكم عن خلع كل هذا في السفر لمثل هذه الفئات وليس على الجميع ممن لا يزلن يحافظن على حشمتهن داخل المجتمع وخارجه وليخفف مثل هؤلاء النسوة من تغليظ مثل هذه المشاهد المنفرة التي بتنا نراها بين المراهقات والفتيات اللائي نشأن على أن العباءة يجب أن تجاري الموضة – التي لا أعرف صاحبها ولا ملتها – في جعلها مفتوحة لا تستر ولا تلم، بينما يجب أن تكون طائرة في الهواء الطلق ليكتمل المشهد بصورة الباتمان المعروفة، فنحن أحوج اليوم لأن تنشأ مثل هذه الأجيال على أن القابض على الدين كالقابض على الجمر في زمن بات الإسلام فيه غريبا يدخل فيه الآلاف ممن رأوا فيه ما لا يراه المسلمون بالولادة أو الوراثة أو كما بات يُعرف عنا للأسف، فليهدأ مثل هؤلاء فإنما خرجت نساء غزة من تحت الأنقاض يسألن عن الحجاب والستر لا عمن ينقذهن من جراحهن وشبح الموت الجاثم عليهن فانظرن إلى ثُرياهم والثرى الذي بات فوقنا نحن!.

ابتسام آل سعد – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى