آراء

لحظة الصفر

أبجّل ساعة الصفر، ويحلو لقلبي أن يتلوا نشيدها. في أول الصبح حين يُفصحُ الطيرُ عن تنفّس الدنيا ويبتسمُ الأفقُ منساباً ويحلُّ البياضُ على السواد. كل بداية هي اشتعال معنى وبزوغ فحوى. كل انقشاعٍ للعتمة هو استيقاظ لحقيقة جديدة، والشاعر يراقب الكون بعيون طفلٍ تفتّح جفناهُ للتو. كأنه مقيمٌ دائمٌ في لحظة الصفر، حيث الدهشةُ أمهُ التي ينل سرورَهُ من سرّها. وحيثُ البداية الجديدة هي مطمعُ عقله وهي ما يشدُّ روحه للتفتّح والانطلاق في متعة التيه.المرأة التي أحرقت ألبوم الذكريات الحزينة ورمت مناديلها البالية في حفرة النسيان، هي التي رأيناها تولدُ من جديد على هيئة شجرةٍ عصىٌ على الأقزام تسلّق غصنها. وصانع المفاتيح، ذلك الرجل الذي يظنه الناس من سلالة الحديد، قال لي مرة: ساعة الصفر الحقيقية هي أن تكسر الباب وتخرج، لا تثق بالمفاتيح فإنها تصدأ، ولا تأمن للزمن فإنه يشيخُ معك وتذبلُ عروقه وتترهّل عند مشيبك عقارب ساعاته وثوانيه.اذهب لحتفك، قال لي حملة الميزان، وجود الصفر وهم خالص، ومؤيدوه جُلّاس جهل، والعصافير التي تدور على رؤوسهم سرعان ما تُصادمُ بعضها وتسقط لقمةً في صحن الخرافة. اذهب يميناً إن أردت اكتشاف ثقلك، أو اذهب شمالاً لعلك تنتمي للخفّةِ ويكون ارتفاعك في الوجود ارتفاع نجمٍ في حُلكة الأبد، وساعتئذ قد تُصدّقُ المرأة تنهداتك، وربما صكّ الحالمون وجهك على عملة مغامراتهم.من أنت إذا انعدمت من وجودك الأرقام كلها؟ هكذا كوى الفيلسوف جبهتي بسؤاله الحارق، وذهب ليعبر النهر حافياً، غير مكترث لدوامات الفراغ، وغير عابئ لغرور التيار إذ مرّةً يهدأ ومراتٍ يثورُ، والأشجارُ تضحكُ من تقلبات مزاجه وهو محضُ خرير.

من أنت كي تقلّدني، قالت الدائرة للصفر الكبير. ثم تناطحا رأساً برأس، ورأيتهما يتدحرجان على منحدر صخري، ويتكسّر العنادُ في تفتتهما. ورأى القلمُ أن عدوه الصمتُ وليس الممحاة، وأدركت الورقة أن الكلمة الضاجّة هي أول كل حريق. ثم عاد الفيلسوف وكتب على جدار الزمن سؤالاً للبشر كلهم: ترى، كم ساعة صفر متوقفة في يدك أيها الإنسان؟ وما من رجل أدرك فحوى هذا السؤال.

نولد في ساعة الصفر، ولكن هل الموت يصير انعدامها؟ ويركض العدّاء ليهزم الأصفار عندما يقطع خط النهاية. ولكن هل يموت الصفرُ حقاً؟

عادل خزام – صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى