آراء

إهداء لحفيدتي الموسيقارة

كلما زرت بيت ولدي ورأيت حفيدتي تعزف على البيانو ألحاناً تذكرني بالموسيقار «موزارت» والموسيقار «بتهوفن»، تذكرني بصباي حيث كنت أحب الموسيقى وأرغب في تعلمها، لكني لم أواصل التعلم لتشتت ظروف حياتي، وحين سمعت حفيدتي وهي تعزف، تذكرت ما قرأته عن كيفية تعلم الإنسان الموسيقى،

فقد بدأ الإنسان بتقليد أصوات الطبيعة، لكن تلك الأصوات الطبيعية لا تنتظم في ترددات تؤدي إلى الانسجام والتوافق، وكانت هذه الترددات هي الزمن، وهذا هو مفتاح الإبداع الإنساني، فالإنسان يبحث في الطبيعة، عمّا يتوافق مع نفسه ويعبر عنها في تباين أحوالها: حزنها، فرحها، توقها، يقظتها، وأسباب رمادها!، تلك النفس الصماء، تعبر عن ذاتها بالترديد، بالإيقاع. الموسيقي إذن إيقاع الطبيعة ممتزجاً بإيقاع النفس، وممتزجاً بالغامض والأحلام، حيث تؤثر تلك القوة في النفس البشرية، لكن الموسيقى تؤثر في الطبيعة أيضاً! ويذكرني هذا بفيلم «الجيتار السحري» الذي يروي حكاية عازف جيتار، يسوقه تجواله إلى قرية مزارعين، تهاجمهم موجة من حشرات الجراد فتثير رعبهم ويقترحون الحلول دون جدوى،

فيعرض عليهم عازف الجيتار أن يطرد الجراد بالعزف، فيضحكون منه ويطردونه، لكن الصغار الذين شغفوا بالعازف وجيتاره يطلبون منه أن يجري تجربة أمام الكبار حتى يصدقوه، فيذهب العازف إلى المقهى حيث يجتمعون، فيلاحظ وجود جرادات صغيرة بين باقات الأزهار، فيرفع جيتاره ويعزف لحناً خاصاً يتطاير على إثره الجراد مذعوراً. يُدهش الكبار ويطلبون من العازف إجراء التجربة على جموع الجراد، وسط الحقل الواسع، فيحضر عازف الجيتار ويقف منفرداً بجيتاره، وفي الخلف حشود الجراد تفترش الحقل، العازف يعزف بطيئاً لحنه الخاص، وحين يعلو صوت اللحن يفر الجراد مذعوراً ويعلو في الفضاء مندفعاً كذرات الغبار!.

يقول علماء الإنثروبولوجيا، إن أقدم الخطوط والرسوم الفنية في آثار وادي الرافدين أظهرت آلة (الهارب) و(القيثارة السومرية)، المصنوعة من الخشب والأحجار الكريمة، والمصريون خلّدوا الآلة الخشبية والمزمار الطويل، ويؤكد الدارسون أن أول من بدأ تدوين الموسيقى هم شعوب الصين والهند، أما اليابانيون فقد استغرقوا وقتاً طويلاً حتى تثبت القواعد الموسيقية.
ويقول المؤرخون، إن عرب البادية قديماً لم يعرفوا الموسيقى، لكنهم كانوا يرددون الأغاني العاطفية المتأججة في القلب والروح، وأثناء التنقيب الأثري في منطقة أوغاريت شمال مدينة اللاذقية، تم اكتشاف أول مدونة موسيقية تضمنت أربعة أبيات موسيقية أكادية، غريبون نحن البشر ما أن نحب أمراً حتى ننبش جذوره ورفات ماضيه!.

حمدة خميس – صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى