رُبّ أخ لك لم تلده أمك

تقول العرب «رب أخ لك لم تلده أمك». رب حرف جر شبيه بالزائد، تفيد التقليل والتكثير حسب السياق، وهذا مثل رائع قد نجده في الواقع، والمقصود به الصديق الوفي الشفيق على صاحبه، صافي المودة، فربما كان هذا الصديق أربى بالشفقة على صديقه من الأم والأب والأخ، وأول من قال المثل لقمان بن عاد، والمثل صالح لزماننا هذا لأننا نعيش بالفعل أزمة صداقة وقلة وفاء، إلا من هدى الله، فمصالح الدنيا نسفت مفهوم الصداقة، واقتلعته من جذوره مع أن الصداقة معنى أصيل في وجدان البشر، وضرورة ملحة، ولكن لابد من حسن اختيار الصديق، مصداقا لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وقد قال ابوتمام الشاعر في هذا السياق:ولقد سبرت الناس ثم خبرتهم

وبلوت ما وصفوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرب قاطعا

وإذا المودة أقرب الأسباب

ومن هنا قال الخليفة المأمون العباسي: الأصحاب ثلاثة، الأول مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والثاني مثل الدواء يحتاج إليه في حال المرض، والثالث مثل الداء مكروه على كل حال.

روى رجل انه ربطته صداقة متينة برجل آخر، تشاركا في التجارة وكانت الثقة متبادلة بينهما إلى أبعد الحدود، وفجأة ودون مقدمات مات صديقه بالسكتة القلبية وترك دينا لأحد التجار، فأخبر الرجل أبناء المتوفى بدين والدهم فرفضوا أن يدفعوا شيئا، وتذرعوا بأنه لا توجد أوراق تثبت ذلك، فاحتار الرجل وبينما هو في حيرته رآه في منامه أياما متتالية كأنه يسأله أن يدفع عنه المبلغ، فباع الرجل محله وكل بضاعته وسدد المبلغ عن صاحبه، فعلم الدائن بالأمر فأعجبه وفاؤه لصديقه فرد عليه ثلث المبلغ، ثم سمع بالأمر أحد التجار فأعطاه محلين تجاريين، وجاء تاجر آخر فأعطاه البضاعة على التصريف على أن يعطيه إذا باع نصف القيمة فقط، ففتح الله عليه أبواب الرزق على مصراعيها وأثري الرجل، وأصبح من كبار الأغنياء بفضل وفائه لصديقه بعد وفاته.

وهذا الذي ينطبق عليه مثل رب أخ لك لم تلده أمك، ودمتم سالمين.

مشعل السعيد – الأنباء الكويتية