آراء

صمود الفلسطينيين الرائع

سبعة أشهر ويزيد، مرت على بدء طوفان الأقصى. أطول حرب بين العرب وإسرائيل. حتى الآن لم تتمكن إسرائيل من حسم الحرب لصالحها ولم تستطع تحرير الأسرى المحتجزين لدى حماس. صمود الشعب الفلسطيني معجزة في ظل ظروف جغرافية واقتصادية وصحية وغذائية يصعب على أي شعب آخر أن يتحملها. لم يكن العدوان الإسرائيلي خاطفا يمكن من خلاله خداع العالم والأمم المتحدة أنها مسألة بسيطة وانتهت، إنما هي حرب طويلة الأمد استطاعت المقاومة خلالها إعادة القضية إلى صدارة الرأي العام العالمي لتخرج المظاهرات في كل أنحاء العالم وفي جامعات أمريكا، بل خرج يهود أمريكيون يرتدون الكوفية الفلسطينية وينددون بجرائم إسرائيل.

هذا الصمود غير المسبوق يحرج إسرائيل ولم تجد مخرجا لحفظ ماء وجهها وكرامتها إلا تدمير المباني على رؤوس الفلسطينيين الذين لا يملكون سلاحا يردون به على المعتدي الغاشم الذي قتل عشرات الآلاف لكي يرضي الرأي العام الداخلي بعدما اهتزت الثقة بالحكومة وبالجيش داخل إسرائيل.

رغم أن كل شخص في غزة عاش تجربة الفقد، للأهل وللسكن وللعمل وللغذاء وللأمان، إلا أن صمود أهل غزة يسجله التاريخ وتدرسه المعاهد العسكرية والاجتماعية، جميعهم حرموا من ذويهم ومنهم من انقطعت الصلة بينه وبين أهله بسبب المعابر ونقاط التفتيش وتجزيئ غزة حتى تتمكن سلطات الاحتلال من إحكام السيطرة عليها. ليس في إمكان أي مواطن فلسطيني في غزة أن يلتقي جيرانه أو أهله أو أصدقاءه، وليس هناك محال أو مقاه للتجمعات، كل شئ مهدم، كل شئ مدمر، لكن أهل فلسطين في غزة صامدون.

أطفال فلسطين صامدون، يعيشون الفقد في كل لحظة، لكنهم صامدون، لديهم تجربة حياة مختلفة تماما عن سائر أطفال العالم، فهم يصنعون تاريخ وطنهم بمقاومة المحتل، ويتعلمون كيف يعيشون الحياة التي تسرق منهم تفاصيلها، ويحملون قضية تخلى عنها الكثيرون، ويدفعون حياتهم ثمنا لها إذا لزم الأمر. ربما نتعاطف معهم ونتألم حينما نراهم يصرخون موجوعين، ولكنهم مع ذلك يعيشون الحياة رغما عن أنوف من أرادوا لهم الموت. أمهات غزة أصبحت قلوبهن على صفيح من نار، المسنّون في غزة يواصلون حياتهم في قطعة من جهنم لكنهم فخورون بالمقاومة التي رفعت رؤوس الجميع. بين مشاهد الدمار والركام احتفل الغزاوية بالعيد وتجول باعة البالونات لإدخال البسمة على أطفال غزة، لكن الجميع يتساءلون ولا يجدون الإجابة: لماذا يخوننا العالم ولماذا تمحى بيوتنا ويقتلوننا عشوائيا؟!

أطفال فلسطين محاصرون داخل قطعة صغيرة من الأرض وليس أمامهم سوى البحر ومع ذلك شغوفون بالتعلم. يكبرون سريعا بسبب وعيهم وتشربهم الواقع من حولهم، وبسبب التجارب التي يمرون بها خاصة تجارب الحرب التي تؤلمهم لكنها تصقلهم وتجعلهم صامدين وأكثر شجاعة وحرية وإحساسا بالمسؤولية. وإذا كان أطفال العالم يتعلمون التاريخ من الكتب في المدارس ويدرسون منهاجها على الورق فإن أطفال فلسطين يعيشون تاريخ بلدهم لحظة بلحظة، يعيشون جميع أنواع العدوان عليهم وعلى طبيعة الحياة التي يعيشونها.

إن الحصار المتواصل والأزمات المتكررة تخلق منهم أطفالا يحملون المسؤولية ولديهم هدف واضح، يساندون بعضهم بعضا ليصيروا أقوياء. ومع ذلك فهم يحملون في قلبهم جرحا كبيرا لوطنهم. والأمهات يعلّمن أطفالهن الترابط والتحمل والرضا بالقضاء والقدر والعزيمة والوطنية وهذا يجعلهم واعين يعيشون على أمل أن تنتصر فلسطين لتكون نهاية قصة كفاحهم البطولية الطويلة.

يحاول الاحتلال تدمير الروح المعنوية للشباب الفلسطيني ويشوش المفاهيم التي تربى عليها، ولكن الوعي الحقوقي والسياسي والمدني الذي يحصل عليه الشباب من المؤسسات ومن الأهل يعتبر المتراس الذي يكسر ما يفعله الاحتلال بنفوسهم.

من يقاوم ويحارب الآن هم أطفال شهداء انتفاضة عام 1987 وقد صاروا شبابا مسؤولين عن أسرهم، فأطفال فلسطين يصنعون الحياة من الألم. وبالرغم من كل ما يمرون به، يريدون أن يكبروا ليساعدوا الجيران والأهل وجميع من يعانون، لذلك يلجأون إلى التعليم، فالجميع في فلسطين يهتم بالتعليم، لأنه السلاح لمحاربة العدو والتفوق عليه.

إن الصمود النفسي للشعب الفلسطيني ظاهرة تستحق الدراسة والبحث، وهي عملية توافق ومواجهة إيجابية للشدائد والصدمات والنكبات والضغوط النفسية التي يواجهها الفلسطينيون. والصمود يعني القدرة على التعافي من التأثيرات السلبية للشدائد والنكبات أو الأحداث الضاغطة والقدرة على تخطيها أو تجاوزها بشكل إيجابي ومواصلة الحياة بفاعلية واقتدار. وهو قدرة الإنسان على المواجهة الإيجابية والتأقلم والتوافق الإيجابي مع التهديدات أو العثرات أو النكبات التي يتعرض لها في حياته واستعادة الفرد توازنه بعد التعرض للمحن والصعاب بل قد يوظف هذه المحن والصعاب لتحقيق النمو والتكامل.

إن الصمود هو القوة التي تسمح للإنسان أن يتجاوز التحديات وينهض مما يتعرض له من عثرات ليحقق النمو والكفاءة. وهو قدرة الفرد على استعادة توازنه بعد التعرض للمحن والصدمات المضطربة.

للصمود النفسي الذي يعيشه الفلسطينيون مكونات أساسية هي:

– النهوض من العثرات وتخطي عقبات الحياة.

– الثقة بالذات وقبول ما تقدمه الحياة من أحداث.

– المثابرة حتى يتم إنجاز الهدف رغم أي صعوبات.

يعيش الشعب الفلسطيني في نكبة منذ ما يزيد على قرن بعدما صدر الوعد المشئوم من بلفور وزير خارجية بريطانيا عام 1917، لكنه شعب صامد صمودا يدل على صلابة المواطن الفلسطيني الذي يتلقى أشنع الضربات لكنه يعيش ويكمل حياته ومثل هذا الشعب سينتصر في النهاية على قوى الاحتلال.

رفعت رشاد – الوطن نيوز

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى