آراء

هل انتهت المسألة الشرقية؟

من المعروف أن منطقة الشرق الأوسط التي تتقاطع فيها ثلاث قارات، كانت مركزا محوريا لإمبراطوريات كبيرة مثل الحثيين والإسكندر الأكبر وروما. ومن الواضح أن الإسكندر الأكبر جمع القوة من منطقة الشرق الأوسط للوصول إلى الهند. بعد ظهور الإسلام، دخلت المنطقة بسرعة تحت سيطرة المسلمين. ولكن لأهمية المنطقة أصبحت هدفاً للصليبيين ثم المغول. واستمرت أطماع الأوروبيين، ورغم محاولتهم الوصول إليها بحرًا وبرًا، إلا أن الدولة العثمانية في الشمال ودولة المماليك في الجنوب نجحتا في صدهم ومنع وصولهم إلى المنطقة.

بينما كانت الدولة العثمانية تتألق في شرق أوروبا، فإن وجود المسلمين في غرب أوروبا كان معرضًا للخطر في الأندلس. بين فتح القسطنطينية الذي ضمن نهاية الإمبراطورية البيزنطية عام 1453 وفقدان الأندلس للمسلمين عام 1492، كانت هناك فترة قصيرة للغاية لا تتجاوز 40 عامًا. بعد سقوط الأندلس حاولت دول غرب أوروبا، خاصة البرتغال، العودة إلى المنطقة من جديد سواء عبر البحر المتوسط أو المحيط الهندي، وقد احتلوا البحر الأحمر والخليج العربي مما أثر على استقرار ورفاهية شعوب المنطقة. وردًا على ذلك اتحد المسلمون في المنطقة تحت مظلة الدولة العثمانية لوقف هذه التهديدات الكبيرة.

حتى الدولة المملوكية، التي لم تسمح للمغول بتجاوز نهري دجلة والفرات كانت عاجزة عن مواجهة التهديدات الجديدة في المنطقة. ومما يعكس وحدة المسلمين، صد الدولة العثمانية هؤلاء الصليبيين في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​والبلقان وشبه الجزيرة العربية. وفي هذا السياق يجدر بنا ذكر حدثين مهمين في التاريخ: في عام 1578 قامت الدولة العثمانية بمنع القوى البرتغالية العظمى من غزو المغرب، وبعد حوالي 200 عام تم طرد نابليون من مصر في عام 1802. ومن المؤسف جدا أن هذين الانتصارين الكبيرين لا يتم تدريسهما في المدارس التركية ولا حتى في الدول العربية. وكذلك، عندما عاد نابليون إلى فرنسا، كاد يسيطر على جميع أنحاء أوروبا تقريبًا. ومع بدء تراجع الدولة العثمانية بدأ الأوروبيون مجددًا في التخطيط للسيطرة على تلك الأراضي، وأحد أسماء هذه الخطة هو «المسألة الشرقية».

المسألة الشرقية، هي مشروع للقوى الغربية للقضاء على الدولة العثمانية، التي تُعتبر عائقًا أمام سيطرتها على الشرق الأوسط. بدأت «مسألة الشرق» مع احتلال فرنسا للجزائر في عام 1830، واستمرت مع احتلال إنجلترا لمصر. احتلال مصر كان ضربة قوية لقوة الدولة العثمانية، حيث تم فقدان مفترق الطرق الجيوسياسي وبدأت تظهر ثمار قناة السويس الجديدة التي تم افتتاحها. لقد قام الإنجليز بالتحرك لإنهاء هذا المشروع الذي كان من الممكن أن يعزز الشعوب والدولة العثمانية. ولولا غزو مصر، لكانت الهيمنة البريطانية على شبه القارة الهندية قد انتهت على الأرجح.

قامت الدولة العثمانية ببناء طرق تجارية بديلة بسرعة من خلال خط سكة حديد الحجاز وخط سكة حديد برلين-بغداد، ولكن تم تعطيل هذه الجهود بسبب الحرب العالمية الأولى. تضمنت خطط الغرب للشرق الأوسط السيطرة على طرق التجارة الاستراتيجية وكذلك النفط. لأن الغرب بأكمله تقريبًا شارك في الحرب ودعم انهيار الإمبراطورية العثمانية. وقد استمر تنفيد المسألة الشرقية، باتفاقية سايكس-بيكو، ووعد بلفور، وبإقامة دولة صهيونية كقوة غربية في نفس المنطقة. تعمل هذه الدولة وأنشطتها بشكل عام على خدمة مصالح القوى التي جاءت إلى المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، مما يجعلها متحالفة في دعم إسرائيل.

في فترة الحرب الباردة، شهدت منطقة الشرق الأوسط إنشاء هيكلة متشظية تتماشى مع فكرة «المسألة الشرقية»، بشكل يتفق مع اتفاقية سايكس-بيكو. ومن اللافت للنظر أن روسيا السوفياتية، التي كانت تتنافس مع الغرب، لم تعارض تأسيس إسرائيل كما خطط الغرب. وخلال تلك الفترة، لم يقدم الاتحاد السوفياتي دعمًا فعليًا للشعوب العربية التي كانت تسعى إلى استقلالها عن الغرب. لأن الاتحاد السوفياتي نفسه كان محدودًا في التحرك بسبب السيطرة التي كان يمارسها في مناطق مثل أذربيجان وأوزبكستان، حيث كان يحتل الشعوب المسلمة، وبالتالي لم يكن لديه القدرة الكافية للتدخل بشكل فعال. وحتى اليوم، تظل مصالح روسيا مؤثرة في المنطقة، من سوريا إلى اليمن ثم إلى شمال أفريقيا. ورغم أن روسيا تدخل في صراعات مثل الصراع في أوكرانيا ضد أوروبا والولايات المتحدة، إلا أنها لم تواجه صراعًا مع الغرب في قضايا مثل سوريا وليبيا وفلسطين.

في الوقت الذي تسعى فيه الشعوب العربية الى المزيد من الحرية والازدهار والوحدة، فإنها تعاني من دمار خطير. هناك يد ماهرة تقوم بتدمير خطير في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان دون ان يراها أحد. إنها نفس اليد التي تدمر فلسطين وقد بدأت تنكشف وتظهر للعيان. ولفهم التطورات الحاصلة في منطقة تقاطع القارات الثلاث يجب أن ننظر اليها من المنظور التاريخي. إذا أردنا قراءة كتاب «المسألة الشرقية» مرة أخرى لكاتبها البطل القومي المصري مصطفى كامل الذي كتبها قبل حوالي 100 عام، سندرك أنه لم يطرأ أي تغيير وأن المسألة الشرقية ما زالت مستمرة.

بروفيسور أحمد أويصال – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى