تحقيقات وتقارير

لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت

يؤمن الجزائريون بالتابعة والعكوسات، بقدر إيمانهم بنظرية المؤامرة. فتعمل الأكثرية على تفادي وإبطال ذلك بشتى طرق الهبل والسخافة، حتى وإن استدعى الأمر تعليق تميمة أو حرز أو حجاب. والغاية واحدة، وهي إتمام الأمر ونجاحه وتفادي كيد الكائدين وحسد الحاسدين، وجلب الحظ والتوفيق وتيسير الأمور وفتح أبواب الرزق والغنى والفرج، رغم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “من تعلق تميمة فلا أتم الله له. ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له.”

عادة جاهلية

يشير الخبير في الشأن الاجتماعي والإطار الإداري بمطار الجزائر، الأستاذ محمد أمين عبد السلام، إلى أن التمائم تعود إلى العادات القديمة منذ أيام الجاهلية الأولى، وهي عرفتها مختلف الحضارات والمعتقدات والأديان حتى يومنا هذا. ويشير إلى أن الغرض من تعليق التمائم واحد، وهو لإبعاد الأذى وسوء الطالع واستكمال الأمر، على الرغم من تنوع التسميات، من التعويذة إلى التميمة والحجاب.

ويذكر أن الإسلام كان أول من حارب التمائم بتحريمها واعتبارها شركاً، مشيراً إلى حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – في صحيح الجامع 6394 الذي يقول: “من علّق تميمة فقد أشرك.” ومع ذلك، فإن العمل بها استمر، فأصبحت جزءًا من العادات والتقاليد في المجتمع، مثل تعليقها على صدر الطفل عند ولادته لحمايته من العين والأذى الشيطاني.

ويضيف عبد السلام أن هذه الطقوس انتشرت في المجتمع بشكل كبير، خاصة خلال الحقبة الاستعمارية، وأن شيوخ جمعية العلماء المسلمين كانوا من بين أشد المحاربين للتمائم، حيث عادوا لنفيها بشدة في زمن الصحوة الإسلامية في الجزائر، مع تزايد الوعي بخرافتها ومع انتشار الفتاوى عبر الإنترنت، مؤكداً أنها خرافة تنكرها العقول وتحرمها الدين.

تفرفرت لإيقاف الإجهاض المتكرر

بدءا من الخامسة أو الخميسة أو يد فاطمة، التي تعلق للمولود الجديد وقاية له من العين، ووصولا إلى الخرزة الزرقاء، التي تتقلدها النساء طردا للحسد، تتنوع بين ذلك وذاك أنواع التمائم التي يعلقها الكثير من الجزائريين، الذين لم يتركوا لا شجرا ولا حجرا إلا وتقلدوه، لغرض إتمام أمورهم وآمالهم. فحتى النباتات والحشائش والأعشاب، لم تسلم من اعتقادهم بقدرتها على الحماية والمنح والمنع.

فهذه نسرين، 36 سنة، التي لطالما عانت من الإجهاض المتكرر، لم تتوان إطلاقا عن مجاراة عجوز نحس شمطاء، حين نصحتها بتعليق تميمة للخلاص من مشكلتها. وحول ذلك تقول: “لقد عانيت للأسف طيلة سبعة أعوام كاملة، من تسع عمليات إجهاض متتالية. وفي كل مرة، وفي ليلة الإسقاط المشؤومة، كنت أحلم بأن امرأة تقوم برفسي أو ركلي على بطني، أو بأني أهوي من جبل، لأستيقظ وأعراض الإجهاض وأوجاعه تمزق أحشائي، ليسقط جراءها الجنين ويموت. وبعد فشل كل التدخلات الطبية لعلاج حالتي، فلقد اصطحبتني والدتي إلى عجوز، معروفة بقدرتها على فك السحر بمنطقتنا، أخبرتني أنني أشكو من التابعة، أو ما يعرف كذلك بأم الصبيان. ونصحتني بالذهاب عند أحد العطارين، وأسأله أن يمنحني عشبة تفرفرت أو تفيفرة، دون أن أساله عن ثمنها، وإنما أدفع له ما جادت به نفسي ثم أقوم بتقسيمها إلى ثلاث قطع.. أعلق الأولى على صدري. وأضع الثانية والثالثة داخل المخدة وعند عتبة المنزل. وذلك الذي قمت به فعلا، في انتظار أن ينجح الأمر، ويثبت حملي التالي.”

الحلتيت لجلب الرزق وطرد النحس

ونفس الظن والاعتقاد يحمله فؤاد، الذي قام بتعليق عشبة أخرى، لطرد النحس والسحر وقلة الرزق من حياته، مثلما أشار عليه أحد المعالجين بالطاقة، كما يقول موضحا: “لطالما عانيت من العكوسات وسوء الحظ والطالع. إلى أن تعرفت على شخص نصحني بأن آخذ القليل من عشبة الحلتيت أو الحنتيت يوم الأربعاء، بعد صلاة العشاء. فأقرأ عليها سورة الزلزلة وآية الكرسي وأعلقها بصدري أو أحملها في جيبي. وذلك الذي فعلته في انتظار تحسن أحوالي.”

والأدهى ما في الموضوع، هو شيوع استخدام سور القرآن الكريم كتمائم وتعليقها كقلائد لجلب النفع، بمختلف أنواعه، ودفع البلاء بشتى أشكاله، مع الظن واليقين بأن تلك الآيات القرآنية هي التي تحقق المراد، لا مُنزلها- سبحانه وتعالى-.

لا يجوز تعليق التميمة

وحول هذا، يقول الأستاذ رشيد بوبكري، إمام خطيب بمسجد الغزالي بحيدرة: “التميمة من غير القرآن لا يجوز تعليقها على الطفل، ولا على غير الطفل، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: “من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له”. وفي رواية: “من تعلق تميمة فقد أشرك”.. أما إذا كانت من القرآن أو من دعوات معروفة طيبة، فهذه اختلف فيها العلماء. فقال بعضهم: “يجوز تعليقها”. ويروى هذا عن جماعة من السلف، جعلوها كالقراءة على المريض.
والقول الثاني، أنها لا تجوز.. وهذا هو المعروف عن عبد الله بن مسعود وحذيفة- رضي الله عنهما- وجماعة من السلف والخلف قالوا: “لا يجوز تعليقها، ولو كانت من القرآن، سدّا للذريعة، وحسما لمادة الشرك، وعملا بالعموم، لأن الأحاديث المانعة من التمائم أحاديث عامة، لم تستثن شيئا. والواجب، الأخذ بالعموم، فلا يجوز شيء من التمائم أصلا، لأن ذلك يفضي إلى تعليق غيرها والتباس الأمر. والأفضل في هذا، أن يقرأ عليه بوضع اليد على الرأس، كما كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يفعل مع الحسن والحسين.”

ليلى حفيظ – الشروق الجزائرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى