تحقيقات وتقارير

“متشددون ومرتزقة”.. هل يُخرج المقاتلون الجدد أزمة السودان عن السيطرة؟

مع اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الأول، اتسعت دائرة المعارك بصورة غير مسبوقة، ودخلت تشكيلات قتالية جديدة على خط القتال، بينما يخطط الوسطاء لاستئناف المحادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع في جدة بالسعودية.

وأعلنت بعض الحركات المسلحة الدارفورية انخراطها رسميا في القتال إلى جانب الجيش السوداني، في مواجهة قوات الدعم السريع التي تجد السند أيضا من تشكيلات مسلحة أخرى دخلت على خط الصراع.

ونفذ الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه، مطلع الأسبوع الحالي، أول محاولة لاستعادة السيطرة على ولاية الجزيرة بوسط السودان من قبضة قوات الدعم السريع التي استولت عليها في ديسمبر الماضي.
تطورات ميدانية

ويرى خبراء ومختصون أن دخول تشكيلات وحركات مسلحة إلى دائرة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، سيؤثر على سير العمليات القتالية، وعلى خريطة السيطرة الميدانية، لكنه في المقابل ربما يطيل أمد الحرب.

ويشير القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، شريف محمد عثمان، إلى أن تعدد المجموعات المتقاتلة سيقود السودان إلى مربع الحرب الأهلية، خاصة في ظل التباينات في الخطاب السياسي وفي ظل انتماء كثير من التشكيلات إلى مكونات قبلية محددة”.

وقال عثمان لموقع الحرة، إن “كثيرا من التشكيلات التي انضمت للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع يبدو أنها لا تأتمر بإمرة غرفة القيادة والسيطرة الموحدة، وكذلك الحال بالنسبة للتشكيلات التي تقاتل إلى جانب الجيش”.

ولفت إلى أن “بعض الحركات والتشكيلات التي تقاتل إلى جانب الطرفين لها أجندة وأهداف تختلف عن أجندة الطرف الذي تسانده، كما أن بعضها له علاقات خارجية مع جهات ودول خارجية، ما قد يضع السودان أمام خطر التمزق”.

وأشار القيادي في تنسيقية “تقدم” إلى أن “بعض المجموعات السودانية التي كانت تشارك في حروب خارجية بأمر نظام الرئيس السابق، عمر البشير، عادت الآن من شمال تشاد ومن ليبيا ومن دولة جنوب السودان، ودخلت إلى دائرة القتال في السودان”.

وخلال الأيام الأولى لاندلاع القتال، نشرت منصات إعلامية تابعة للجيش فيديو يظهر فيه من قالت إنه قائد “حركة مظلوم” التشادية، حسين الأمين جوجو، وهو يقاتل في صفوف قوات الدعم السريع في الخرطوم.

وبعدها ظهر قائد ميداني يدعى “جلحة”، انضم بقواته إلى صفوف الدعم السريع. ودائما ما يعرّف “جلحة”، في مقاطع الفيديو التي يظهر فيها، نفسه بأنه قائد حركة “شجعان كردفان”، بينما أشارت تقارير إعلامية إلى أنه كان ضمن القوات التي تقاتل في ليبيا.

ويتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بالاستعانة بمسلحين من دول أجنبية، مثل النيجر وتشاد وغيرها، وهو حديث جرى كثيرا على لسان قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومساعده الفريق، ياسر العطا.

ويرى الخبير الاستراتيجي، أمين إسماعيل، أن “انضمام الحركات الدارفورية المسلحة للقتال إلى جانب الجيش، سيعزز موقفه على الميدان، وسيمكنه من تحقيق مزيد من الانتصارات ضد قوات الدعم السريع”.

وقال إسماعيل لموقع الحرة، إن “دخول الحركات الدارفورية إلى ساحات المعارك سيعين الجيش في زيادة كثافة النيران وأعداد المقاتلين والمجاميع والعربات القتالية”.

لكنه شدد على ضرورة أن “تخضع تلك الحركات المسلحة إلى غرفة القيادة والسيطرة التابعة للجيش، حتى لا يتعدد القرار القتالي ويخلق مشكلات على أرض الميدان”.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، أن قواته ستحارب إلى جانب الجيش السوداني “لاستعادة البلاد وبيوت المواطنين من قوات الدعم السريع”.

وجاءت تعهدات مناوي عقب إعلان وزير المالية، رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، عن تحرك قواته من ولاية كسلا بشرق السودان، إلى ولاية الجزيرة بوسط السودان، “لطرد قوات الدعم السريع من الولاية”.

وكذلك جاءت عقب حديث رئيس حركة تحرير السودان، مصطفى طمبور، عن تحرك قواته من مدينة القضارف بشرق البلاد، إلى ولاية الجزيرة للقتال إلى جانب الجيش.

ويقود مناوي وجبريل وطمبور حركات مسلحة نشأت في إقليم دارفور، قاتلت نظام الرئيس السابق عمر البشير، قبل أن توقع عام 2020 اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية التي أعقبت سقوط البشير.

وكانت الحركات الثلاث أعلنت، في نوفمبر الماضي، انضمامها للقتال في صفوف الجيش السوداني، وأكدت تخليها عن موقف الحياد الذي كانت ترفعه خلال الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

تعدد أطراف القتال في السودان من شأنه أن يعرقل مساع الحل السلمي التي تقودها مجموعة من الدول والمنظمات الإقليمية، لإنهاء أزمة السودان، إذ يمكن أن تطالب بعض التشكيلات بنصيبها في التفاوض، برأي مختصين وتنظيمات سياسية.

ويشير عثمان إلى أن “تعدد التشكيلات المتقاتلة سيقود السودان إلى ما ظلت تحذر منه القوى المدينة، بخصوص دخول أطراف إقليمية ودولية لها أجندة وأطماع في موارد البلاد، مما سيعقد فرص إنهاء الأزمة السودانية”.

ولفت إلى أن “المجموعات العسكرية التابعة لنظام الرئيس السابق، عمر البشير، والتي تقاتل إلى جانب الجيش حاليا، ترفض التفاوض، ولها أجندة متعلقة بالعمل لإعادة النظام السابق إلى السلطة، وهي أجندة مغايرة لما يطرحها قادة بالجيش، عن ضرورة التفاوض المشروط”.

وخلال الحرب، ظهرت تشكيلات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، مثل كتيبة “البراء بن مالك” التي يقودها المصباح أبو زيد.

وأثير جدل واسع بشأن تلك الكتيبة، إذ يربط سياسيون وناشطون بينها وبين الحركة الإسلامية في السودان.

ويشير أبو زيد في صفحته على موقع فيسبوك إلى أن عناصر “البراء بن مالك”: “تلقوا تدريبهم بواسطة الجيش السوداني، وفي ظل دستوره وقانونه”.

وسبق أن زار البرهان قائد كتيبة “البراء بين مالك”، المصباح أبو زيد، في المستشفى، حين كان يتلقى العلاج من إصابته في القتال إلى جانب الجيش السوداني، ما أعاد الجدل بشأن علاقة الحركة الإسلامية بالجيش.

وكان مساعد القائد العام للجيش، ياسر العطا قال خلال خطاب أمام عدد من المقاتلين، في يناير الماضي، “الحق يجب أن يُقال، هناك مجموعات كبيرة من الإسلاميين تقاتل معنا، وهناك شباب من مجموعة غاضبون وغيرها”.

ويرى المحلل السياسي، عز الدين المنصور، أن “أزمة السودان خرجت عن السيطرة بسبب تعدد الأطراف المتقاتلة”، مشيرا إلى أن “التجارب في المحيط الإقليمي تدلل على أن تعدد البنادق المتحاربة يصعّب فرص الحل السلمي للحروب”.

وقال المنصور لموقع الحرة، إن “السودان شهد حربا واسعة في دارفور في عام 2003، من خلال تمرد قادته حركتان، ولكن نظام البشير بدلا من السعي لحل الأزمة في طورها الأول عبر التفاوض، نفذ حملة عسكرية ضارية ضد الحركتين، ما أغرى مجموعات أخرى لتشكيل حركات جديدة من منطلقات إثنية وقبلية”.

ولفت إلى أن “عدد الحركات في دارفور تجاوز الأربعين حركة مسلحة، ما أغلق الطريق أمام الحل السلمي، إذ لا تزال الحرب ومخلفاتها وتداعيتها مستمرة لأكثر من 20 عاما في دارفور، حتى بعد سقوط نظام البشير”.

وأشار المحلل السياسي إلى أن “الخطر من تعدد الأطراف المتقاتلة سيظهر عند الوصول إلى مرحلة اقتسام السلطة، إذ من الراجح أن يتقاتل حلفاء اليوم في الغد، بسبب الأطماع الشخصية والبحث عن نصيبهم في الكيكة”.

وأضاف “أزمة السودان لم تتوقف عند ظهور حركات تمارس الارتزاق، إذ ظهرت عناصر متشددة تمارس قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، وهذا من شأنه أن يولد درجة من الغبن تغلق الطريق كليا أمام فرص الحل السلمي”.

وخلال الأيام الأولى للحرب، أعلن قائد قوات “درع السودان”، أبو عاقلة كيكل، انضمامه إلى قوات الدعم السريع، وأصبح أحد قادتها المؤثرين.

وقاد كيكل في ديسمبر الماضي، معركة الاستيلاء على مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة بوسط السودان، ليصدر حميدتي قرارا بتعيينه حاكما للولاية، بعد سيطرة قواته عليها.

وظهر كيكل لأول مرة في ديسمبر 2022 مرتديا زي الجيش السوداني، معلنا عن تكوين قوات “درع السودان”، كحركة للمطالبة بحقوق أهل وسط السودان، بينما شاع وقتها أن الحركة وثيقة الصلة باستخبارات الجيش السوداني، قبل أن يعلن قائدها انضمامه رسمياً إلى الدعم السريع.

وكشفت تقارير أخرى أن حركة “تمازج”، وهي إحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية، تشارك في القتال ضمن صفوف قوات الدعم السريع.

ويشير إسماعيل إلى أن “الحرب لم تعد محصورة بين الجيش والدعم السريع، ما يعني أن بعض التشكيلات التي تقاتل إلى جانب الطرفين، سترفض المسار السلمي التفاوضي لإنهاء الأزمة، خاصة المستفيدون من استمرار الحرب، أو الذين يقاتلون من أجل الغنائم والارتزاق”.

ولفت إلى أن “بعض الأطراف قد تطالب بعدم حصر التفاوض على الجيش وقوات الدعم السريع، الأمر الذي يمكن أن يعرقل الحلول التفاوضية، خاصة أن ساحات المعارك تشهد باستمرار ظهور مجموعات مسلحة جديدة”.

ومؤخرا، ظهر أحد قادة المجموعات المسلحة، يدعى رضوان أبو قرون، في مقطع معلنا انضمام حركته إلى القتال بجانب الجيش السوداني، قبل أن يظهر لاحقا وهو يشرف على عمليات تدريب شبان ينتوون القتال في صفوف الجيش.

وكان المبعوث الأميركي للسودان، توم بيرييلو، أعلن الأسبوع الماضي، أن “الولايات المتحدة تتطلع إلى استئناف محادثات السلام بشأن السودان في السعودية في 18 أبريل المقبل”.

وتوقفت المفاوضات بين الجيش والدعم السريع منذ 20 يناير الماضي، بعد انهيار اجتماعات ومحادثات غير معلنة، جرت في العاصمة البحرينية، المنامة، وشارك فيها نائب قائد الجيش، شمس الدين كباشي، ونائب قائد قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور في عدد من أنحاء البلاد.

الحرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى