آراءأبرز العناوين

أمة تائهة بين السبات والممات

لا يخفى على أحد ما تمر به الشعوب العربية والإسلامية من حيرة تجاه حال أمتها من غياب فعلي عما يدور على الساحة الفلسطينية من تقتيل وتشريد وتجويع وإبادة جماعية لإخوتنا الفلسطينيين المستضعفين في غزة العزة، غزة الكرامة، غزة الصمود، وغزة الكفاح والجهاد المقدس. ففعلاً هناك حيرة عند هذه الشعوب، ولا تدري ماذا تفعل في مبتلاها الجلل، صمت رهيب، وسكوت فاضح لا يدل إلا على أحد أمرين إما سُبات عميق أو موت سريري مشهود، وكيف لا، والإحساس غائب والشعور معدوم، فقد بَحَّت أصوات الفلسطينين بالنجدة والاستنجاد بإخوتهم العرب لعلهم يسمعون ويستجيبون، ولكن لا سمعاً ولا طاعةً ولا استجابةً، فلا دراية ولا علم بما يحدث من حولهم، وذلك تمثيلاً لقول الشاعر «لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي».

ولذا، فالأمة ما هي إلا جثة هامدة مُلقاة على الأرض يعبث بها القاصي والداني، والقوي والضعيف، فها هي الكلاب المسعورة تنهش في هذا الجسد منذ ما يقارب من الـــ 180 يوماً إلى الآن دون أي إحساس بالألم، فلم يتحرك في جسد الأمة ساكن، علماً بأنها أمة الجسد الواحد كما وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» فأين الأمة من هذا الحديث النبوي، وأين أعضاء هذا الجسد العربي المسلم من الحديث ذاته، وأين حكام هذه الأمة، وشعوبها العربية والإسلامية من دينهم وثقافتهم والتزاماتهم الدينية والوطنية والقومية، وما تُمليه عليهم من مودة وتعاطف وتراحم مع إخوتهم الفلسطينيين في غزة وباقى المدن الفلسطينية الذين تجمعهم بهم اللغة والدين والأخوة.

فغريب أمر هذه الأمة المتفرقة المتشرذمة غير المتعاونة على الخير، بل المتنافسة فيما بينها على فتات الدنيا لا تجمعها مصلحة عامة، ولا هدف ولا قضية، فقد تخلت عن قضيتها الأولى (القضية الفلسطينية) من أجل مصالح داخلية خاصة سواء أكانت اقتصادية أو تجارية أو سياسية أو عسكرية، وعلى حساب المصلحة القومية العامة للأمة العربية والإسلامية ككل، وما ينتج عنها من ضرر على أمنها القومي، وتخطي المحظور والمُحرم من تكوين علاقات مع العدو الإسرائيلي، وتطبيع سريع لا مبرر له، فلا مصلحة في العلاقات والتطبيع مع إسرائيل على الإطلاق، بل المصلحة كلها للجانب الإسرائيلي، فمعروف عن إسرائيل أنها لا تعطي ولا تفيد بل تأخذ وتستفيد، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل معاهدة كامب ديفيد، ومعاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو، والبقية تأتي تباعاً. وأول أضرار هذه العلاقات هي الفتنة وتفريق الشمل العربي، وتمزيق الأمة، فكل هذه الدول الآن مُحيَّدة في حرب أسرائيل على غزة، حيث إنها لم تتخذ موقفها الاستراتيجي التاريخي الطبيعي مع إخوتها الفلسطينيين في غزة، بل تقف منحازة إلى الجانب الإسرائيلي، وما هذا الصمت والسكوت الفاضح إلا دليل قاطع على ذلك. فمعاهدة كامب ديفيد على سبيل المثال شَقَت الصف العربي، وفتحت الطريق لمعاهدة وادي عربة مع الأردن. أما اتفاق أوسلو فقد شَق الصف الفلسطيني حيث انقسم الفلسطينيون فيما بينهم بين السلطة في الضفة الغربية، وحماس في غزة، وهذه فتنة ثمارها واضحة في هذه الحرب.

فهذا هو حال الأمة العربية المُشين المُهين في هذه الحرب الظالمة على إخوتنا الفلسطينيين في غزة، ولكن الفرصة لازالت مواتية لتعديل الموقف وتغيير المسار إذا توفرت الإرادة السياسية، والإحساس بالمسؤولية الوطنية والقومية والدينية، وخصوصا في ظل ما تمر به إسرائيل من ورطة عسكرية، وجنائية وأخلاقية وانقسام داخلي، وغضب خارجي بسبب إصرارها وتعتنها لمحاربة الأبرياء الفلسطينيين العُزل من شيوخ ونساء وأطفال وتشريدهم وتجويعهم والعمل على إبادتهم جماعياً، وتدمير مُدنهم ومنازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم، ومراكز الإيواء العالمية، ومنع الإغاثة بكل أنواعها وأشكالها بالاعتداء على الطواقم الطبية، وسيارات الإسعاف، ورجال الإنقاذ المحلية والدولية، وآخرها استهداف فريق الإغاثة التابع للمطبخ المركزي العالمي وقتلهم جميعاً، مما أثار غضب العالم بأسره، وخصوصا العالم الغربي الموالي والمساند أساساً لكل تصرفات وممارسات إسرائيل الوحشية في غزة.

ولذا، وفي ظل هذا الغضب شبه العالمي الرسمي الخجول، والشعبي الصريح الواضح، والتحولات العالمية ضد إسرائيل، والتفكير في اتخاذ إجراءات فعلية لمنع تصدير السلاح لإسرائيل من قبل بعض الدول الغربية، واتساع دائرة الغضب المتوقعة، فليس أمام هذه الأمة إلا أن تستيقظ من سُباتها العميق، وتخرج عن صمتها المُشين، لتعلن عن موقف عربي وطني شُجاع يليق بحجم الأمة ومكانتها وكرامتها وكيانها لنصرة الشعب العربي الفلسطيني المسلم في غزة، ورفع الظلم عنه، والعمل على إيقاف كل إجراءات التطبيع، ورفض جميع المحاولات الأمريكية لفرض هذا التطبيع المجاني المُخجل، وذلك أضعف الإيمان.

د. أحمد جاسم الساعي – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى