آراءأبرز العناوين

قشر البرتقال

1

شمس اليوم ساطعة وكأن لا مطر كان ينهمر البارحة.

يقال «رتب فراشك، يتغير يومك»، فرتبته، لكن غالبًا لا شيء يتغير، لا شيء على الفطور، لذلك سأنتظر حتى وقت الغداء، لكن لا شيء أيضا على الغداء.

في الأيام شديدة البرد، شديدة الجوع، لا مطبخ في بيتنا.

في الصفحة 125 من «نداء الملاك» لميسو، أقرأ عن أصناف طعام «لامبيرور» وبطني يقرقر.

2

مصابة بـ«كوفيد-19». أردت في البدء ألا يعرفَ أحد عن ذلك، لكن ما أن أصيبت شقيقتي حتى أصبح الأمر سيانا، لا أعرف لماذا شعرت بأنها غاضبة مني لأني نقلت إليها العدوى. آمل أن يكون شعوري هذا خاطئا، ومع أن كلتينا في حجر صحي معزولة إحدانا عن الأخرى إلا أنني شعرت بنظرتها الغاضبة تخترقني.

نتيجة الفحص الإيجابي بجوار رأسي على السرير طوال الوقت، ألتفت وأنا ممددة أعيد النظر بين الفينة والأخرى إلى الخانة التي كتب عليها «POSITIVE» ويزداد قلقي من أن أموت أو أختنق أو تطير روحي بسبب سعلة.

3

يتناوب من في البيت على إحضار الطعام لي، طرق الباب يتسق دائما مع الوجبة المقدمة. طرق سريع وعالٍ يعني أن شيئا ساخنا على الباب، طرق خافت وعابر يعني سلطة جرجير بدبس الرمان، لكن مع تأثر السمع لدي أصبحت أشرب الشاي باردا.

لا ألوم أحدا عندما لا يعجبني الطعام، فبيتنا بدون مطبخ منذ ما يزيد على أربعة أشهر، لكني لم أعد أتناول أيا من الأطباق الموضوعة أمام الباب، لأن الشطيرة التي دخلت إلى الغرفة توا كنت قد تناولتها على الإفطار يوم أمس وقبل أمس.

4

برتقالتان على المنضدة وسكينة بلاستيكية، غدا ستُحضَر لي برتقالة ثالثة وسكينة بلاستيكية، هكذا جمعت البرتقالات منذ أن مرضت على أمل أن تُحضَر لي سكينة حديدية، لكن ما دمت في اليوم الثالث من الحجر ولم تصل السكين الحديدية، فهذا يعني أنها لن تصل أبدا، كان الحرص شديدا حتى لا أتسبب بالعدوى لفرد آخر في البيت.

ماذا تفعل السكين البلاستيكية بقشر البرتقال؟! إنها تدغدغه فقط! وهكذا عندما رغبت بتناول برتقالة أزلت القشر بأظافري الطويلة حتى أفسدت شكلها المربع. أعتقد أنه حان الوقت للتوقف عن صناعة أدوات بلاستيكية يُفترض أن تكون حادة.

5

تتصل أمي -التي يفصل بيننا أكثر من ستين كيلومترا في هذه اللحظة- عشرات المرات حتى تطمئن، لكنها تسألني عن الأصحاء في البيت: أين يكونون؟ وماذا يفعلون؟ وكانت أسئلة غاية في الصعوبة ليجيب عليها شخص محبوس!

6

لم أعد أتصفح قصص الأصدقاء على الانستجرام حتى أتجنب صور الخطوات على البحر، وحفلات الشواء الليلية وفناجين القهوة في المقاهي… والطعام. قررت أن أطلب ما أشاء من وجباتي المفضلة من مطاعم قريبة ليتم إيصالها إلى البيت. لكن ما حدث أني اضطررت يومها إلى مغادرة غرفتي لاستقبال «الباستا» ورقائق البطاطا واستلامها بنفسي؛ لأن أحدًا لم يجب على اتصالاتي في البيت، مُخاطرة باحتمال إصابة المندوب بالعدوى أو أحد أفراد البيت أو جميعهم.

تشدد وزارة الصحة على عزل المصاب في غرفة خاصة بدورة مياه، لكن ماذا عن المطبخ؟

7

الظهيرة هادئة. الحي هادئ تمامًا إلا من بيت جارتنا التي تفسد السكون بصوت دقّها شيئا ما، وأجزم أنها تدق هذا الشيء بأداة معدنية. حسبت في البدء أنها تحضر العجين، لكن لم كل هذا الصوت؟! أغلق نافذتي المطلة على بيتها، فأرى فرشاة أسناني تهتز من أثر الصوت، لن أبالغ إن قلت إننا نبدو وكأننا نعيش في بيت واحد، فبيتنا وبيتها توأم سيامي.

أسمعها تصرخ على حفيدها «هااااااااااشم»، الشخص الوحيد الذي يصرخ الجميع بسببه في بيتهم. سمعتها تقول بصوت عالٍ: «ما يستوي تخليه؟؟؟»، يبدو أنه كان يعبث بذلك الشيء الذي كان يدق، فبعد جملتها تلك اختفى ذلك الصوت المزعج.

8

أفتح النافذة، بدا أن كل أطفال الحي قد ملوا الجلوس في البيت، أصوات البكاء والصراخ تصدر من كل الجهات. هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بكاءً جماعيا متواصلا من بيوت مختلفة مذ سكنّا حي التضامن.

9

أحد الأشياء التي فعلتها اليوم أني هاتفت صديقتي صوتا وصورة، تحدثنا وضحكنا كما لا نفعل عادة عندما نلتقي، بل حتى أنها أرتني ما تحويه ثلاجتها، قالت لي تحتاجين ثلاجة لمثل هذه الأيام. ابنها الصغير كان نائما ولكنه استيقظ مستغربا عندما رأى صورتي تتحرك في هاتف أمه.

بشاير بنت حبراس السليمية – جريدة عمان

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى