آراء

فوز وأمل .. ويقين!

قبل أسبوع تقريبا فقدت واحدة من صديقاتي.. انتقلت إلى رحمة الله تعالى وتركتني في غياهب الأسئلة الكونية، كعادتي عند كل رحيل أبدي يزلزل وجودي في هذه الحياة.

هل بت في السنوات الأخيرة أكتب كثيرا عن الموت؟

أحاول أن أفهمه وهو ينقض على من أحب واحدا تلو الآخر؟

ربما.. ولكنني لن أنجح أبدا كما أتوقع.

لا بد أن الموت سيغلبني في كل نزال، ولا بد أنني أنتهيت إلى التسليم له لا باعتباره القدر الإلهي اليقيني الكبير وحسب، ولكن أيضا لأنه الجمال الخالص الذي يليق ليكون نهاية من أحب.

أبرر لنفسي كل فقد جديد بهذا التبرير الوجودي.. ولا أدري من سيبرر غيابي قريبا أو بعيدا!

كانت فايزة ليست مجرد صديقة، ولعلها ليست كذلك بالمعنى التقليدي المتعارف عليه لمعنى الصداقة بين الناس، ولكنني ارتبطت بها قبل عدة سنوات بتواصل كنت أحسبه عابراً عبر واحد من مواقع التواصل الاجتماعي.

عندما أرسلت لي رسالة عبر البريد الخاص في منصة تويتر بدا لي حسابها لأول وهلة وكأنه حساب وهمي. لم أكن أعلم أنها ستكون واحدة من الحقائق الكونية الجميلة في حياتي. كانت يومها تستفسر مني عن حالة إحدى الأسر المتعففة التي كنت قد نشرت مناشدة للمساعدة لها على ما أتذكر الآن. غابت كثير من تفاصيل التواصل الأول وبقي السبب. البحث عن سبيل لمساعدة الآخرين. لم تكن وحدها بعد ذلك. ولم أعرفها لوحدها لاحقا أبدا. فايزة وأمل..  الفوز والأمل في هذه الحياة لكثيرين.

أما فايزة فهي الروح الأنيقة والصوت الحنون والبديهة الحاضرة والحكايات الحلوة والدفء كله.

وأما أمل فهي التفاصيل الرقيقة والكلمات الباعثة على الطمأنينة والرسائل التي تأتيني دائما في وقتها المناسب لتقول لي إن الله معنا واللطف والتأني والرقة والكرم والخلق الجليل..

‏روحان تهفوان لكل ما هو نبيل وجميل.. تجتهدان في عمل الخير بسرية ولا ترجوان إلا مرضاة الله وإشاعة الفرح في النفوس الحزينة.

لم نكن نلتقي إلا قليلا.. لكنني في كل لقاء معهما أشعر أن الدنيا بخير وستبقى كذلك دائما، ما دامت هناك أرواح جميلة تعيش فيها بكل هذا الجلال الذي يسيل في شقوق الروح ليرممها، ويروي ظمأها. كلمات أمل التي تغترفها من عمق تجربة معتقة دائما تبدو وكأنها قد استلتها من زمن غريب جدا، لكنه زمن حقيقي، أما ضحكات فايزة الحاضرة ختاما لكل حديث فهي السحر الفاتن الذي يجعل من لقاءاتنا القليلة المختطفة من بين مشاغل لا تنتهي وكأنها مواعيد للتجدد.. ودائما كان الموعد المقبل معلق على كتف الأيام بانتظار ما..

عندما كتبت أمل نعي فايزة برسالة هاتفية لم أصدق أنها تعنيها. قرأت الرسالة مرات ومرات ومن بين الدموع التي تحجرت لمع الاسم الحبيب مرات ومرات أيضا، لكنني لم أكن أقوى على التصديق، ولا على مهاتفة أمل. انتظرت يومين.. وأنا أنام وأصحو على أمل أن الخبر مجرد كابوس، أو أنها غلطة ما.. لكنني استسلمت في النهاية للوجع الذي سرى في تلك الشقوق الظمأى. هو الموت إذن يباغتني مرة جديدة بمن أحب. ويتركني في الدوامة إياها ككل مرة، أقلب الأسئلة بلا إجابات واضحة، غير أنني مؤمنة بيقين الموت، وأنها مجرد رحلة عبور… وأننا كلنا عابرون.

كانت فايزة في آخر مكالمة تحدثني بأسى عن مشاهد الموت في غزة.. انتحبت وهي تكلمني ونشعر معا بالعجز تجاه ما نراه.. وكانت في كل مرة ترسل لي مقطعا لمشهد من مشاهد غزة أشعر بها وكأنها تريد أن تداري عجزنا الجمعي كله بذلك الأسى الذي يغلف رسائلها.. هل أكل الأسى روحها أخيرا؟ ربما.. فلم تكن لتشكو من مرض ظاهر.. وعندما رحلت كانت رحلتها الهادئة محفوفة بأسى ما يحدث في غزة.. وجعها الأخير .. الكبير.

‏رحمات الله تتنزل في هذه الأيام المباركة عليك يا صديقتي.

سعدية مفرح – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى