أبرز العناوينتحقيقات وتقارير

“الركود الاجتماعي” يسيطر على العالم.. أين تقف الدول العربية؟

حافظت الكويت على ترتيبها في المركز الأول عربياً، في مؤشر التقدم الاجتماعي، الصادر عن مؤسسة “سوشيال بروغرس إمبيراتيف” غير الربحية، التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، تلتها الإمارات العربية المتحدة وقطر، فيما تصدرت الدنمارك عالمياً القائمة المؤلفة من 170 دولة تلتها النرويج وفنلندا.

ويعتمد مؤشر التقدم الاجتماعي، في تصنيفه للدول، على 3 مؤشرات أساسية هي: الاحتياجات الإنسانية الأساسية، وأسس العيش الكريم، والفرص.

ويتم احتساب كل من تلك المؤشرات استناداً إلى 4 عوامل ذات نسب ثقل متساوية، وذات نتيجة تتراوح بين الصفر والمئة، كما ورد في النشرة التي تعدّها وحدة الأبحاث الاقتصادية في بنك الاعتماد اللبناني، بحيث يتضمّن مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية، على سبيل المثال، عامل التغذية والرعاية الطبية الأساسية، والمياه والصرف الصحي، والمأوى، والسلامة الشخصية.

أما مؤشر أسس العيش الكريم فيغطي نواح توفّر المعرفة الأساسية، والمعلومات والاتصالات، والصحة، وجودة البيئة، في حين يتناول مؤشر الفرص: الحقوق الشخصية، والحرية الشخصية وحرية الاختيار، وتقبّل الآخر والشمول، والقدرة على الاستفادة من التعليم العالي.

وسجّل المتوسط العالمي لعام 2024، نتيجة 63.44 في مؤشر التقدم الاجتماعي، وأفضل أداء ظهر في مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية بنتيجة 77.04، ثم مؤشر أسس العيش الكريم بنتيجة 61.52 ومؤشر الفرص بنتيجة 51.76.

ولفت التقرير، إلى أن أفضل نتيجة برزت في معيار المأوى (80.34)، تبعه عامل المياه والصرف الصحّي (79.23) وعامل التغذية والرعاية الطبية الأساسية (77.04)، فيما أتى أسوأ أداء للمتوسط العالمي للمؤشر تحت معيار عامل جودة البيئة (48.97) وعامل الوصول إلى التعليم المتقدم (43.04).

يساعد مؤشر التقدم الاجتماعي على فهم كيفية عيش الناس في دول العالم، ومن يتخلف عن الركب وكيفية تسريع التقدم، وفي تقريره الأخير، كشف أن 61 دولة شهدت تراجعاً كبيراً في تقدمها الاجتماعي عام 2023، فيما تعاني 77 دولة أخرى من الركود الاجتماعي، وبالكاد حققت 32 دولة تقدماً حقيقياً، ونتيجة لذلك، استخلص أنه أربعة من كل خمسة أشخاص في العالم يعيشون في دولة يعاني فيها التقدم الاجتماعي من الركود أو التراجع.

بالأرقام، سجلت الكويت 73.44 نقطة من أصل مئة نقطة، محتلة المركز 48 عالمياً، وفي التفاصيل حصلت على 92.27 نقطة في مؤشر الاحتياجات البشرية الأساسية، و71.42 نقطة في مؤشر أسس الرفاهية، و58.64 نقطة في مؤشر الفرص.

فيما سجلت الإمارات 72.92 نقطة محتلة المرتبة 51 عالمياً، وقد حازت على 89.27 نقطة في مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية، و75.56 نقطة في مؤشر أسس العيش الكريم، و53.93 نقطة في مؤشر الفرص.

واحتلت قطر المرتبة 65 عالمياً بـ 69.29 نقطة، إذ حصلت على 90.02 نقطة في مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية و67.86 نقطة في مؤشر أسس العيش الكريم و49.98 نقطة في مؤشر الفرص.

وحلّت سلطة عمان في المركز الرابع إقليمياً و68 عالمياً، وقد حصلت على 68.52 نقطة في مؤشر التقدم الاجتماعي فيما سجلت 87.08 نقطة في مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية، و67.14 نقطة في مؤشر أسس العيش الكريم، و51.34 نقطة في مؤشر الفرص.

أما الأردن فاحتل المرتبة الخامسة اقليمياً والـ 84 عالمياً، تلاه البحرين التي احتلت المركز 89 عالمياً، متبوعة بالسعودية في المركز 90، ثم تونس في المرتبة 91، فلبنان في المرتبة 96، والجزائر في المرتبة 97، فالمغرب في المرتبة 101، ومصر في المرتبة 108، والعراق في المرتبة 113، وليبيا في المرتبة 115، وسوريا في المرتبة ،139 فموريتانيا والسودان في المرتبتين و147 و155 توالياً.

وكانت المراتب الأخيرة من نصيب دول أفريقية، حيث حلت التشاد في المرتبة 168، وإفريقيا الوسطى في المرتبة 169، وجنوب السودان في المركز الأخير.

وحققت الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان ومصر والعراق تقدماً في التصنيف العالمي، إذ سبق أن احتلت هذه الدول تباعاً، المراتب 55 و68 و90 و80 و113 و118 عالمياً، فيما سجّل لبنان تراجعاً في هذا التصنيف، إذ كان يحتل سابقاً المرتبة 89، وكذلك حال الأردن وتونس والجزائر والمغرب التي كانت تحتل تباعاً المراتب 82 و72 و95 و100.

على عكس التقارير العالمية التي تتحدث عن سوء التغذية في لبنان وعدم قدرة غالبية السكان على الاستشفاء والطبابة، حقق هذا البلد بحسب مؤشر التقدم الاجتماعي أفضل نتيجة له في عامل التغذية والرعاية الطبية الأساسية، بـ 93.59 نقطة، تبعه عامل المأوى بـ 84.44 وعامل توفّر المعرفة الأساسية بـ80.35، فيما أتى أسوأ أداء له تحت عامل جودة البيئة بـ 50.03 وعامل الشمول بـ28.72.

يذكر أن لبنان سجل 81.91 نقطة في مؤشر الاحتياجات الإنسانية الأساسية (التصنيف العالمي: 83) و61.77 نقطة في مؤشر أسس العيش الكريم (التصنيف العالمي: 97) و49.21 نقطة في مؤشر الفرص (التصنيف العالمي: 100).

وتسجيل لبنان لأسوأ أداء له في جودة البيئة، يعكس احتلاله المرتبة الثالثة ضمن قائمة أكثر الدول تلوثاً في العالم بحسب “World of statistics”، وهو الدولة العربية الوحيدة على هذه القائمة، أما فيما يتعلق بعامل التغذية والرعاية الطبية، فإن عدداً كبير من التقارير الأممية أشارت إلى تراجع مستوى التغذية ليس فقط في هذا البلد، بل في المنطقة العربية.

والعام الماضي أكد تقرير أممي أن مستويات الجوع وسوء التغذية في المنطقة العربية وصلت إلى مستويات حرجة، لافتاً إلى أن ما يقدر بنحو 53.9 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد في هذه المنطقة عام 2021، بزيادة 55% منذ 2010، و5 ملايين عن العام 2020.

وحذر التقرير، كما أوردت الأمم المتحدة من أن انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، واصل منحاه التصاعدي، ليؤثر سلباً على نحو 154.3 مليون شخص في عام 2021، بزيادة 11.6 مليون شخص عن العام الذي سبقه.

وأشار التقرير إلى أن أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي 162.7 مليون شخص، لم يستطيعوا تحمل تكلفة تبني نمط غذائي صحي في عام 2020.

وسبق أن حذر وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن، خلال مداخلة له في “المنتدى العربي الثاني من أجل المساواة”، من أن الدول العربية تواجه تهديداً في أمنها الغذائي، على الرغم من جهود توسيع المساحات الزراعية.

وقال الحاج حسن “لا يوجد في العالم العربي أي دولة أمنها الغذائي غير مهدد.. لأن مفهوم الأمن الغذائي واضح وجميع الدول أمام امتحان هام جداً”.

لا شك أن ترتيب الدول العربية في التصنيف العالمي ليس جيداً، بحسب رئيسة جمعية “نضال لأجل الإنسان” ريما صليبا، التي ردّت ذلك إلى أسباب عدة “على رأسها الفقر، إذا ما استثنينا دول الخليج، وذلك في ظل سوء استخدام الموارد الطبيعية الهائلة، وسوء توزيع الثروات وغياب الحوكمة الرشيدة، يضاف إلى ذلك عدم وجود هامش كاف للحريات والحقوق الأساسية للمواطنين”.

عوامل عدة أدت إلى تراجع عدد من الدول العربية في مؤشر التقدم الاجتماعي، على رأسها كما تشرح صليبا لموقع “الحرة” “عدم التوزيع العادل للثروات، الذي يقف خلف التفاوت الاجتماعي الكبير بين المواطنين وعدم قدرة غالبيتهم على الوصول إلى الاحتياجات الأساسية، لا سيما في سوريا ومصر والسودان وغيرها”.

ومما تعانيه الدول العربية كذلك “مشكلة ندرة المياه والصرف الصحي والعثور على مأوى وتعرّض السلامة الشخصية للخطر نتيجة الاضطرابات الأمنية المستمرة، ومن أهم نقاط الضعف فيها العوائق الموضوعة أمام حرية التعبير والفكر والمعتقد”، مشددة على أن “حقوق الإنسان في العالم العربي إلى تراجع مخيف من مختلف النواحي”.

وفيما يتعلق بلبنان، على سبيل المثال، فإن الصعوبات الكبيرة التي يعاني منها بحسب صليبا “هي نتيجة الانهيار الاقتصادي وعدم انتظام العمل الدستور والشغور الرئاسي وأزمة اللاجئين السوريين، وكل ذلك من دون أفق واضح للحلول”.

وتشدد على أنه “رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان إلا أنه لم يصل إلى مرحلة المجاعة، وبعد أن كان يعتبر “مستشفى الشرق” تراجع على هذا الصعيد لكن لا يزال يتمكّن من تقديم الرعاية الصحية الأساسية لسكانه”.

وارتفعت مستويات الفقر في المنطقة العربية في عام 2022 مقارنة بالسنوات الماضية ليصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص، أي ما يمثل ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا، وذلك وفقا لخطوط الفقر الوطنية، كما كشفت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”.

وفي أكتوبر الماضي، كشف تقرير للبنك الدولي عن زيادة كبيرة في معدلات الفقر في المنطقة العربية استناداً إلى خطوط الفقر الدولية الثلاثة التي يستخدمها البنك لتتبع الفقر على مستوى العالم. كاشفاً أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها معدل الفقر خلال العقد الماضي، من نحو 12.3% في عام 2010 إلى 18.1% في عام 2023.

كما لم تستغرب مديرة جمعية “مفتاح الحياة”، الأخصائية النفسية والاجتماعية لانا قصقص، المراكز التي احتلتها دول الخليج “كونها تعمل للتقدم على مختلف الأصعدة التي يعتمدها مؤشر التقدم الاجتماعي في تصنيفه، لكن المفاجئ هو المرتبة التي احتلتها المملكة العربية السعودية رغم النهضة التي تشهدها، لكن من المتوقع أن تترجم جهودها في التصنيفات المقبلة”.

وتشرح لموقع “الحرة” “يشمل مؤشر الشمول فرص المساواة بين الجنسين والتمييز وتكافؤ الفرص ليس فقط في العمل، ولكن أيضاً في الدراسة، والنتائج التي توصل إليها المؤشر تؤكد غياب السياسات الاجتماعية في غالبية الدول العربية ما يحول دون توفير التعليم لجميع الأطفال والتدريب المهني الفعّال الذي يمكّن الطلاب من الحصول على فرص عمل، وكذلك غياب الخدمات التي يحتاجها ذوو الاحتياجات الخاصة”.

وسبق أن كشفت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”، أن معدل الأمية في الدول العربية بلغ 27,1 في المئة مقارنة بـ 16 في المئة على مستوى العالم.

وحسب “ألكسو” فإن عدد الأميين في العالم العربي يقارب الـ 54 مليون شخص، وهو عدد مرشح للارتفاع في ظل الأوضاع التعليمية المتردية والأزمات التي تمر بها المنطقة، إلى جانب النزاعات المسلحة التي تسببت إلى الآن في عدم التحاق قرابة 13,5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي.

وفيما يتعلق بمؤشر البيئة، تفتقد غالبية الدول العربية، كما تقول قصقص “لخطط جدّية لإدارة مواردها المائية والطبيعية بشكل جيد، ما يساهم في رتفع نسبة التلوث في ظل عدم وجود آليات لضبطها”.

ويفتقر ما يقارب من 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب الأساسية ويعيش 390 مليون شخص في المنطقة- أي ما يقارب من 90 في المئة من إجمالي عدد السكان- في بلدان تعاني من ندرة المياه، بحسب “الإسكوا”.

وأكدت الأمينة التنفيذية للمنظمة، رولا عبد الله دشتي، العام الماضي، أن ندرة المياه في المنطقة العربية مسألة تتعلق بالأمن المائي، والأمن الغذائي، وبالازدهار والحياة الكريمة، وأن هذه المنطقة ليست على المسار الصحيح فيما يتعلق بتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة والمتعلق بتوفير المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030.

وفيما يتعلق بلبنان، فإن نتائجه في مؤشر العيش الكريم، قد تعود بحسب ما تقوله قصقص إلى “التكافل الاجتماعي والتدخل المجتمعي، اللذين منعا المجاعة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلد منذ عام 2019 حيث ساهمت تقديمات الجمعيات المادية والطبية في مواجهة المواطنين للانعكاسات السلبية للانهيار الذي يطال مختلف جوانب الحياة”.

وفي تصنيف سابق يعكس إلى حد ما نتائج مؤشر التقدم الاجتماعي، تصدرت الإمارات قائمة الدول الأسعد في العالم العربي، وفق تقرير شبكة حلول التّنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، لعام 2023، محتلةً المرتبة 26 عالمياً، تلتها السعودية في المرتبة 30، ثم البحرين في المرتبة 42، واحتلّ لبنان المرتبة الأخيرة في تصنيف الدول العربية، والمرتبة ما قبل الأخيرة وفق التصنيف العالمي مسبوقاً من أفغانستان فقط.

ما يحتاجه مواطنو الدول العربية بحسب صليبا هو “توزيع عادل للثروات بهدف محاربة الفقر وتأمين أسس العيش الكريم، وهو ما يتطلب إلى سياسات اجتماعية تضمن كذلك الحريات وتحارب الترهيب”.

ولا بد كذلك، بحسب صليبا، من نشر وسائل المعرفة “من مدارس وجامعات ومراكز تعليم في جميع المناطق والبلدات، وفرض التعليم الابتدائي المجاني بالتوازي مع إيلاء الرعاية الصحية أهمية كبرى ليتوفر العلاج لجميع المواطنين بغض النظر عن إمكاناتهم المادية”.

وكل الإجراءات التي تم ذكرها سابقاً لا يمكن بحسب رئيسة “نضال لأجل الإنسان” أن تتحقق “في ظل الحروب والنزاعات المسلحة التي يعيق تأثيرها الهدّام أي تقدم لا سيما إن طالت مدتها الزمنية، كما في العراق وليبيا ولبنان وسوريا، فهي تستنزف موارد الدول بدلاً من استثمارها للتطور في مختلف المجالات”.

أما قصقص فترى أن على الدول العربية، لاسيما التي احتلت مراتب متأخرة في مؤشر التقدم الاجتماعي “وضع سياسات اجتماعية وبيئية وطبية وتعليمية مع التركيز على مبدأ المساواة بين الجنسين، وتعزيز تكافؤ الفرص وتحسين جودة البيئة والخدمات الطبية للوصول إلى كافة الفئات والحد من الأمراض المزمنة والمعدية التي تؤثر على الصحة المجتمعية بشكل عام، مع ضرورة التركيز على مفهوم الاستدامة في تطبيق كل ذلك”.

أسرار شبارو – الحرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى