آراء

أقلام وأوهام

يقال في اللغة توهم الشيء أي «تخيله وتمثله كان في الوجود أو لم يكن» والوهم هو «ادراك الواقع على غير ما هو»، وهنا تكمن خطورة الوهم وهنا ندرك جسامة اثره على الفرد والمجتمع، اذ ان ادراك الواقع على غير ما هو يولد ردود افعال لا تناسب هذا الواقع ولا تتعاطى معه بالطريقة المناسبة له مما يجلب شرا كان بعيدا ويبعد خيرا كان قريبا.

ومن شر البلايا ان تنخر الاوهام عقول اصحاب الاقلام فأصبحنا نقرأ ونسمع من التحليلات والاستنباطات ما لا يقبله صاحب العقل السوي ولا يرضاه ذو الرأي الرشيد.

وما كان ذلك الا لأن صاحب القلم هذا قد ابتلي بالوهم فانقادت له نفسه وتبعها قلمه في قبول أثر كل ما يرد عليها من أخبار وتقارير وبرامج، ولو أن صاحبنا قد توقف بأناة امام الخبر وفكر وقدر، ولو انه صبر على الحدث وتبصر فيه وتفكر، لكان ذلك سداً منيعا له من الوقوع في شَرَك الوهم وحائلا بينه وبين السقوط في حبائل الظنون والشكوك.

ومن المؤسف ان يتهادن الواهم مع وهمه فيصاحبه ولا يقبل الانفكاك عنه، حتى لو سيقت له الادلة وجُمعت له البراهين وهنا يكون الوهم قد استحال الى مرض يستعصي على الطبيب الخبير ويأبى علاج الحكيم الفطين، ولا خلاص لصاحب القلم الواهم من علته هذه ولن يتعافى منها الا ان ينبذ هو بنفسه اوهامه وان ينقذ قلمه من شر ظنونه.

وليت أن أذى صاحب القلم الواهم لا يتعدى الى غيره ولا يصيب الا عقله، لكن المعضل في الامر انه وبوحي من اوهام غلبته ووساوس تملكته يحلل ويستنبط ويكتب وينشر ليكثر عدد الواهمين ويزداد جمهور المضَلَلين.

يحتاج اصحاب الاقلام الى وقفات ومراجعات، فنحن نعيش اليوم في زحام من الاخبار تملأ مواقع التواصل وقد احيط بنا من كل جانب، فإن تركنا عقولنا عرضة لهذا السيل الجارف من الانباء والاراء والمفاهيم دون ان نأوي الى عاصم يحمينا أو ركن يقينا، دهمنا الوهم وغشتنا الظنون وتحولت اقلامنا من دواء شافٍ الى داء معدٍ، واصبح ما نكتبه وغايتنا التثقيف والتهذيب سببا في التجهيل والتسفيه، وكم من مريد للخير لا يبلغه، فإن اراد اهل الرأي واصحاب الاقلام الخير لأمتهم واوطانهم بالكلمة والعبارة وبالتحليل والتفصيل، وجب عليهم أن يسلكوا لذلك الخير مسالكه وان يتتبعوا دروبه، ونقطة الابتداء تكون بهجر الاوهام وطرد الوساوس والتأكد والتثبت من صحة ما يردنا وما ينقل الينا فلا نتسرع في ادراك الحدث ولا نتعجل في استيعاب الخبر فنغرق في اوهامنا وتتوه اقلامنا.

علي القيسي – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى