آراء

اغرب.. حتى تُشرق !

لعل من الحكمة أن يُدرك الإنسان أن التغيّر والتحوّل هو سُنة الحياة وديدنها، وأنه لا محالة ستصيبه رياح التحوّل شاء أم أبى!

ولذا، فما أجدر بالمرء أن يطلب التغيير بدافع ذاتيّ من طوّيته، تضطره نحو التجدد والارتقاء، والعروج في سموات التمكين، والتحليق فوق أرض التميّز، والاستكشاف لعوالم لم تُطرق بعد.

دافع يُسهل عليه الرحلة، ويوجّه دفتها نحو ما يصبو إليه.

فما إن يعزم النيّة، ويوثق العهد، حتى تتبدّى له المسالك، وتُفتح له الأبواب، شرط أن يستوفي ما تتطلبه منه من خلع نعليه، ونزع ثوبه القديم، ويتغرّب برهة..

يتغرّب نفساً عما ألفته مهجته من الشعور والطرائق التي يتصرّف بها قلبه وشعوره مع ذاته وما حوله.

ويتغرّب فكراً بالاطلاع على أفكار جديدة، والتنزّه في عقول متنوعة تتباين عما اعتاده من الأفكار التي سكنت عقله ردحاً من الزمن.

ويتغرّب سلوكاً بتجربة الجديد، واختبار الطريف مما لا يظن أنه سيُقدم عليه يوماً، وكأنه يتذوق نكهات مختلفة من المسالك والسبل التي تمدد الروح بداخله.

ويتغرّب مكاناً فيزور من الأماكن والبلدان ما يجدد به طاقته وما يستكشف فيها من عوالم متخفيّة لم يُدرك يوماً وجودها.

يتغرّب نفساً وعقلاً وسلوكاً ومكاناً.. لتغرب شمسه ويُشرق من جديد بروحه الوثابة، التي تتسع لتتجمل وتبتهج وترحم وتُشارك، لتبني وتُعمّر وتحقق غايتها من هذا الوجود.

فلا أجلّ من إنسان عاش الحياة بتنوع تجاربها، واستكشف دهاليزها، وركب موجاتها، وتعمّد أن يتغير فيسمو ويرتقي، ويبذر وينتج، ويزرع ويحصد، ويغرب ليُشرق، ويعم نوره على كل ما حوله، فيكون بذلك قد استوفى رسالته في هذه الحياة، بالتعمير والبناء، والنفع والتسامي، ويغدو أداة خيرٍ كما أرادها الله، لا تتقاذفه موجات الأهواء، ولا تعصف به رياح التغيّر تتخبط به دون أن أن يعدّ العدة، أو يدري أين وجهته، وإلى أين مآله.

 لحظة إدراك:

ما أجلّ أن يعي المرء مسؤوليته الذاتية، ويُدرك أنه المختار لسبله في الحياة، والمُفعّل لنواياه، والمسترشد بالله لهدايته وتمكينه، والطالب للارتقاء والساعي للسمو، والجاد في طلب الخير، فيبذر ويحرث ويُسقي ويتعاهد بالعناية حتى يشتد عود شجرته، فتُصبح أبيّة شمّاء أصلها ثابت وفرعها في السماء تسر الناظرين، تُزهر أوراقها، وتنضج ثمارها، وتغدو نافعة تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها.

خولة البوعينين – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى